01 نوفمبر 2025

تسجيل

يعفو ويصفح

06 يوليو 2015

إن السيئة إذا قوبلت دائما بالسيئة أحرقت الصدور و أورثت الأحقاد و أنبتت الضغائن، أما إذا قوبلت السيئة بالحسنة أطفأت أثوار الغضب و هدأت من فورة النفس وغسلت أدران الضغينة، و إنه لفوز عظيم لمن دفع السيئة بالتي هي أحسن ولا ينال ذلك إلا ذو حظ عظيم ،فلدوام الألفة بينك وبين من تتعامل معهم من بني البشر حُسن المعاشرة واستمرار المحبة، ما أجمل أن ترى الألفة والمحبة بين الصائمين فأخلاق الصائم ينبغي أن تقوم على التسامح وليعلم إذا أصابه أحد بسوء فليقل إني صائم حتى يعلِّم نفسه أنه في حالة إيمانية عالية، لأن المجتمع الإيماني لا تقوم المعاملة بين أفراده على المؤاخذة و المحاسبة و الانتصار للذات والانتصاف لها في كل صغيرة و كبيرة وإنما تقوم فيه المعاملة بين الأفراد على المسامحة والتغاضي والصفح والصبر وهذا ما دعت إليه نصوص الإسلام و حض عليه هديه العالي القويم ،فالإنسان التقي المستجيب لهدي دينه عفو غفور والعفو خلق إنساني عال أشادت به النصوص القرآنية إشادة بالغة وجعلت المتخلقين به من أرقى النماذج التقية في الإسلام إذ أدخلهم في زمرة المحسنين الذين فازوا بمحبة الله ورضوانه يقول تعالى:(والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)آل عمران:134، ذلك بأنهم كظموا غيظهم ولم يحقدوا و لم يضغنوا، بل تحرروا من وقر الضغينة و الحقد وانطلقوا في آفاق العفو والمغفرة و الصفح و التسامح ،ففازوا بصفاء النفس وغبطتها و نقائها وراحتها وبما أكبر من ذلك فازوا بمحبة الله و رضوانه.الغضب غليان في القلب وهيجان في المشاعر يسري في النفس فترى صاحبه محمر الوجه تقدح عيناه الشرر فبعد أن كان هادئا متزنا، إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة فيصبح كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد ،ولم يكتف صلى الله عليه وسلم بالنهي عن هذه الآفة وبيان آثارها بل بين الوسائل والعلاجات التي يستعين بها الإنسان على التخفيف من حدة الغضب وتجنب غوائله ،فكل إنسان يغضب وعادة ما يكون الغضب في بدايته صعبا ،فإذا استطعت أن تسيطر عليه في بدايته ترتاح وتتخلص منه بسهولة لكن إذا سيطر عليك ووصل إلى القمة يصبح بعد ذلك مصيبة, فلابد أن نسعى للتخلص منه من البداية و هذا ما دعت إليه نصوص الإسلام ،فلو تأملت في كلمة التسامح لوجدت أنها عذبةً في اللسان سلسلةً ورقيقة في المنطوق ذات رنين جميل في السماع، لكنها ثقيلة على النفس يقبلها العقل كلمة مجردة لكنه يجد كلفة ومشقة في تطبيقها في الواقع، فما الذي يمنع كثيرا من البشر من تطبيقها؟ ورفضِ التخلقِ بها وتحبيذ الغلظة والحدة والغضب والكبرياءِ بديلا عنها، فإن المسامح كريم كما يقال في المثل و إن هذا الكرم يصدر من نفسٍ زكية واسعة لا تضيق من أغلاط الناسِ، ولا تتكدر من سقطات النفوس ولا تهيج لاستفزازاتهم، إنه كريم لأن الكرم هو بذل العطاءِ في وقت الشدة،والشدة هنا حين يغلظ الناس في قولهم المهين ونقدهم المشين، فيقابله بعطاءِ التسامحِ والعفو وهنا يعلو بمكانته فوقهم ،ويسمو بخلقه مرتبة عالية يحسده الناس عليها، التسامح كلمة جميلة باتفاق اللغات والأعراف والأمم كلها،إنه يعني الصفح عمن أخطأ عليك أو تجاوز حده أو اختلف معك اختلافا غير أخلاقي، فالمفهوم بهذا الاعتبار قيمة أخلاقية عظمى، وانتصار لروح الخير والأخلاق في النفس الإنسانية على روح الشر من الاستجابة لنزغات الشيطان وهو أساس التعامل الذي يفترض أن يحكم علاقة الناس بعضهم ببعض، أما الإصرار على رفضه فهو إصرار على إلحاق الأذى بالنفس قبل الآخرين ،فيجب أن نأخذ بيده برفق إلى مرتقى الصبر والغفران والتسامح فمن عفا وأصلح فأجره على الله، ومن هنا يتطلب من المؤمن في مثل هذه المواقف أن يصفح الصفح جميل.