30 أكتوبر 2025

تسجيل

الحرب في بر مصر.. استنزاف مؤلم !؟

06 يوليو 2015

مصر وشعبها يقفان اليوم في أخطر منعطف تاريخي تتحدد على ضوء مساراته وخياراته طبيعة الخارطة المستقبلية للدولة المصرية التي تخوض حرب وجود ميدانية ساخنة بين مستقبل واعد متطور يتناسب وروح العصر والتوجهات والتحولات الفكرية والسياسية، وبين العودة الرثة لتجربة الماضي القمعية والشمولية التي لم تشق سوى سكة الندامة والخسران، فالعودة الحكومية لسياسة الاستئصال والقتل الشامل ومرحلة زوار الفجر واتساع قواعد القمع وتكريس الدولة البوليسية التي تستحضر المؤامرات وتطبخ الملفات وتدير البلاد بعقلية مافيوزية جميعها باتت اليوم أشباحا متجددة تذكرنا بأشد مراحل تاريخ مصر الحديث قتامة وسوداوية ورثاثة، وهي أيام حكم المخابرات ثم مرحلة مراكز القوى وما أفرزته من تعطيل وتدمير لشرايين الدولة والمجتمع، وعودة الإرهاب للشارع المصري، واستمرار نزيف الدم العبيط الذي تكرس مع سلطة الانقلاب وتشرعن مع فض الاعتصامات الجماهيرية الرافضة لإجهاض الثورة الشعبية التي انطلقت في يناير 2011 لتكون عنوانا شاخصا لعودة الروح للشارع المصري، هو في المحصلة سلوك لطريق خاطئ ومدمر عانى المصريون من إفرازاته وتجلياته، لقد كان واضحا أن النظام العسكري المصري قد ضرب عرض الحائط بكل المناشدات المحلية والإقليمية والدولية الهادفة لتسكين الوضع الداخلي المصري عبر طرح قرارات جريئة ترسم الأمل في إعادة الحياة الدستورية واحترام حقوق الإنسان ووقف التجاوزات، وتصحيح المسيرة باتجاه حوار وطني شامل يعيد الأمور لنصابها الصحيح وفق خطة طموحة وفاعلة للمصالحة الوطنية لا تكرس القطيعة بين القوى السياسية والفكرية المختلفة بل تؤسس لوضع دستوري وقانوني وأخلاقي جديد يعيد الأمل للشارع المصري ويصحح الكوارث الرهيبة التي ألمت بمصر بعد الانقلاب العسكري على العملية السياسية والحياة الدستورية والإصرار على استحضار تجارب الماضي الدموية التي كسحت مصر وأدخلتها في متاهات دولة الفشل ودواماتها ونتائجها المريعة، مؤسف للغاية ما يحدث في مصر من إزهاق للأرواح البريئة في صفوف الجيش المصري، ومؤلمة للغاية تدهور أوضاع إدارة الصراع الداخلي نحو نهايات انتقامية لا يستفيد منها سوى أعداء مصر، مصر على الدوام كانت قوية بشعبها وشبابها وإصرارهم على البناء والتألق وسط روح وطنية مصرية جامعة تتسامى على الخلافات السياسية والفكرية المؤقتة أو المتحولة، ليس من مصلحة أي طرف مصري تغليب حوار الدم على حوار الأفكار، كما أن سياسة القمع والاستئصال والانتقام لن تؤتي أكلها ولن تحقق التنمية أو تطرد أشباح التخلف أو تفرمل حالة الانهيار الاقتصادي والمجتمعي، لقد عانت مصر في تاريخها المعاصر من سلسلة من الهزات والأزمات العاصفة العنيفة، وسفكت خلالها دماء عديدة تحت مختلف المواقع والمنعطفات، كما عانت من الإرهاب ونتائجه دون التخلي عن التطرق لأسبابه وحاضنته وهي الظلم والإقصاء والتهميش وعدم مراعاة أوضاع الدنيا المتغيرة، الحلول العسكرية العنيفة وحملات الاستهداف والقتل والاغتيال والاستئصال لن تحقق أي نتائج إيجابية، ولن تكرس أمنا أو تصحح مسارا اقتصاديا أو توفر خبزا، بل إنها أقصر الطرق لجهنم وللوصول لحالة شبيهة لا سمح الله بالحالتين السورية أو العراقية وهو المصير الذي لا نتمناه لأحد، وثمة حقيقة تاريخية شاخصة وصريحة تقول بأن مصر أكبر من كل الطغاة، وشعبها قد رضع الصبر مع الحليب، واستفزاز عزة وكرامة الشعب المصري العريق ما هي إلا محاولات خائبة لتدمير وطن مصري جميل يستحق بتضحيات شبابه أن يتألق ويعانق الذرى، فمصر غنية بشعبها الحر والأصيل الذي لن تكسر إرادته أي قوة غاشمة مهما عظم شأنها، على تخوم مصر وأسوارها المنيعة تحطمت جحافل المغول وكان خلاص الشرق من شرورهم، وفي نهضة مصر اليوم يكمن سر التألق التاريخي لإرادة الأحرار، حرمة الدم المصري ينبغي أن تكون هي الأساس في أي عملية توافق وطني، لقد نزفت مصر كثيرا، وتحمل شعبها من الآلام ما تنوء بحمله الجبال، واليوم وأمام الحقيقة العارية لحتمية انهيار الطغيان ليس من سبيل لإنقاذ مصر سوى عبر الحوار وحقن الدماء.. ارحموا مصر يا سادة.