30 أكتوبر 2025
تسجيلللأستاذ المرحوم مصطفى أمين ، الكاتب والصحافي المعروف كتاب صدر في الأربعينات من هذا القرن بعنوان ( أمريكا الضاحكة )، طرح فيه هذا الكاتب الكبير ذكرياته الدراسية في الولايات المتحدة ، ومواقف ووقفات طريفة عاشها أو صادفته أثناء إقامته وقتئذ ، أيام كانت أمريكا في أعز مراحل نموها وازدهارها الاقتصادي ، وبدايات تحولها إلى دولة عظمى فيما بعد بعقود قليلة ، سيما بعد الحرب الكونية الثانية ، وقبل أن تولد إسرائيل بالطريقة إياها !تذكرت هذا الكتاب بعد المواقف الأمريكية الغريبة قبل سنوات،بعد فوز حماس والحملة عليها لدفع أوروبا والكثير من دول العالم للتضييق عليها لاعتراف باحتلال إسرائيل ،وهى المواقف نفسها التي اتبعت مع السلطة الفلسطينية منذ أكثر من عقدين ولم يحصل هذا السلام، ولم تتغير المواقف الإسرائيلية تجاه استحقاقات السلام الموعود!!.فكل شيء وفق المنطق الأمريكي ينبغي ويستوجب أن يكرس لخدمة إسرائيل ومكانتها وتفوقها، ويتطلب أن يكون تطرفها تجاه الآخرين تسامحاً.. وغضبها مقبولاً .. وتجاهلها للقرارات الدولية رأياً .. وقتلها للمدنيين الأبرياء دفاعاً عن النفس .. وذرائع الأمن مبدأً أساسياً لا يجوز تجاوزه.. وتمسكها بالقدرات النووية لوحدها ـ دون غيرها ـ مطلوب وهدف لحماية نفسها من الوحوش حولها في هذه الغابة.. فهذا الدعم من الولايات المتحدة ( المادي والفكري والمعنوي ) جعلها تتمادى في غيها ، وفقد الراعي الأمريكي لهذا السلام كل مقومات التأثير والضغط الظاهري لإنجاز تسوية عادلة وشاملة ، فهي الآن وفي المرحلة المقبلة أيضاً سوف تنتهز أية فرصة للمماطلة والتسويف للهروب من الالتزام المحدود قبل وبعد خارطة الطريق ، وسواء فازت حركة فتح أو فازت حركة حماس في الانتخابات القادمة، المهم هو الالتفاف والهروب من السلام الحقيقي الذي يحقق الأمن والسلام لشعوب المنطقة ، والسبب الأساسي لهذه المماطلات هو الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل والوعود الوهمية والتطمينات غير الجادة للفلسطينيين والدول العربية . فالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وتجاه إسرائيل ( التي يجب أن تنصاع للسلام العادل )، غريبة الأطوار، وتستعصي على التفسير والتحليل .. صحيح أن العلاقة الخاصة مع إسرائيل علاقة فوق الشبهات!! وهذا الأمر محسوم ، وندركه جيدا سواء اعترفت الولايات المتحدة بذلك أم لم تعترف، وهو ما تسميه ضمان أمن إسرائيل! . لكن هل تريد إسرائيل السلام ؟ فإذا كانت مطالب السلام لإسرائيل ضرورية فإن على الولايات المتحدة أن تضع مسار هذا الطلب على خطوط واضحة .. فكيف يستقيم الحل العادل وتستجيب إسرائيل له إذا وضعت الولايات كافة الضمانات والدعم والتأييد وبلا نظرة منصفة ومنطقية في قضايا الحق والعدل والحقوق الإنسانية ( منديل الولايات المتحدة يبتل من البكاء في كل محفل ومؤتمر على هذه الحقوق )!ماذا نتوقع للعملية السلمية برمتها في المرحلة المقبلة ، وما هو الحل؟ حيث أن الولايات المتحدة أصبحت تستخدم العقوبات الاقتصادية كسلاح يشهر وقت الحاجة تبعاً للخلاف السياسي والأيدلوجي وهو ما حصل مع إيران في الثمانينات من القرن الماضي،ومع ليبيا أيضا في التسعينات، ويستخدم الآن مع الفلسطينيين بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية ، وهو أسلوب سيخلخل موازين كثيرة وسيسهم في إيجاد مفاهيم مغايرة للحقائق وسيبرز كوامن فكرية ونفسية سيئة بفعل المعايير المزدوجة التي لا تخطئها العين وبلورة تمايز ملحوظ في تعاطي الولايات المتحدة على وجه الخصوص مع قضايا سياسية واقتصادية وفكرية أيضاً .وإذا أرادت الولايات المتحدة أن تكون صادقة وجادة في مواجهة الإرهاب الحقيقي الذي لا لبس فيه ولا غموض والأدلة لا تحتاج إلى بحث أو تنقيب .. فإن إسرائيل دولة إرهابية بكل المقاييس .. بل إن الإرهاب ذاته ( ونستعيذ بالله من كلمة إرهاب حتى لا نتهم به !! ) صناعة إسرائيلية نشأت بواسطة منظمات إرهابية مثل ( الهاجانا ) و ( اراجون زفاي ليومي ) و ( شتيرن ) وغيرها ، وعاش المجتمع الإسرائيلي كما هي نشأته وحتى اليوم وهو يخطط ويرسم للإرهاب بالقتل والسلب والمصادرة والتعذيب والمذابح الجماعية من " دير ياسين " إلى " قانا " فلماذا تناصر وتساند الولايات المتحدة الإرهاب الإسرائيلي الحقيقي وتضع القوانين واللوائح لمحاربة إرهاب مزعوم لا أدلة دقيقة لوجوده ولا اتفاق دولي حوله ؟!ولماذا تسمى الولايات المتحدة كفاح اللبنانيين والفلسطينيين لإسرائيل التي تحتل أرضهم وتسلب حقوقهم بالعنف والبطش والتنكيل " بالإرهاب " وهو حق مشروع كفلته القوانين والأعراف والمنظمات الدولية " وفي مقابل ذلك تساند هذا الإرهاب المقابل الذي يواصل قمعه يوميا. وأول هذه القوانين التي فرضته الولايات المتحدة على المختلف معها منذ ما يقرب من عقدين [قانون داماتو] العجيب في طرحه والغريب في ضياغته ،والذي أثار أوروبا أكثر مما أثار الدول التي استهدفت من توقيعه ، لأن هذا القانون ذاته يخالف منطق الاتفاقات الدولية .. فلم يكن في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة أي مصطلح بهذا الاسم والعقوبات الدولية .. ولا يوجد نص مشابه بهذه الصيغة الفجة .. فميثاق الأمم المتحدة المكون من 111 مادة نص على وجوب فض المنازعات بالوسائل السلمية والامتناع عن التهديد بالقوة أو استخدامها في العلاقات الدولية .. وجاء أيضاً نص المادة الثانية فقرتها الرابعة من هذا الميثاق ما نصه " يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي والاستقلال السياسي لأي دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة . فهذا هو القانون " داماتو " مخالف لنص الميثاق نفسه ، من حيث التدخل في الاستقلال السياسي للدول بغض النظر عن مخالفته لاتفاقات التجارة الدولية ، لا سيما مع أوروبا . فهل فقدت الولايات المتحدة صوابها ومنطق تعاطيها مع المشكلات والاختلافات السياسية ؟ أم أن الصواب نفسه لم يعد له مبرر في عرفها بعد صعودها المكانة الدولية في غياب المنافس وانغماسها في الحروب هنا وهناك!.المستقبل ربما يخفي أشياء غير مدركة الآن.. لكن يبدو أن هذا المنطق الذي تود الولايات المتحدة فرضه على العالم بأسره غير قابل للتحقق والتطبيق، لأن العقل الإنساني عجز عن استيعابه، ومن ثم هضمه وتقبله بذلك الطرح الممجوج العصي على الفهم والإدراك.على العقلاء في الولايات المتحدة ، خاصة في ظل إدارة أوباما، الأكثر واقعية وعقلانية، أن يراجعوا سياساتهم الخارجية. ويعملوا على تحكيم النطق على القضايا والمشكلات، بحيث لا يخضع للمعايير المزدوجة، ولا لاختلال الموازين العسكرية. ، فالحرب على العراق واحتلاله بدعوى امتلاكه أسلحة الدمار الشامل تارة وتارة أخرى لعلاقته بتنظيم القاع، وأحيانا أخرى لإقامة عراق ديمقراطي يكون نموذجا فريدا للمنطقة لكي يحتذى. فهل نجحت هذه التبريرات في الرأي العام الغربي قبل الرأي العام العربي والإسلامي؟ لم تنجح هذه التبريرات بل أن هذه الحرب في العرب جلبت لهم ـ كما قالت رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ـ آلاف الأخطاء وهذه الأخطاء سوف تتبعها آلاف المشكلات التي ستصيب الأبرياء، في فلسطين وفي أفغانستان، وما يجري الآن في العراق، حيث الدماء تسفك يوميا على الهوية والمذهب والانتماء الخ فهذه من الأخطاء القاتلة والأكاذيب التي أطلقت لتبرير هذه الحرب.., فهل نجحت هذه السياسة البراجماتية؟! لم تنجح.. إذن الحل الأمثل هو المعايير العادلة لكل القضايا العالقة والخافتة. إما قضية فلسطين وهى لب القضايا الراهنة، فإن الحل سهل جدا، وإذا أرادت الولايات المتحدة السلام الاستقرار في المنطقة ،تراجع العنف والتوتر، فعليها أن تلزم إسرائيل بتطبيق القرارات الدولية، واستعادة صاحب الحق حقه كاملا ، أما ما عداه من ضغوط وتجويع وتضييق لن تجدي شيئا وان خفتت التوترات فترة من الزمن، فأنها ستعود مرة أخرى أقوى وأعتى وأخطر، ولذلك فلا مفر من التعامل من الحق العادل من المنظور الواقعي العقلاني المتزن، وبه تختفي المشكلات والتوترات والصراعات.