11 سبتمبر 2025

تسجيل

السياسة المذهبية وتآكل الدولة

06 يوليو 2013

السياسة من الفنون الإنسانية التي استخدمتها المجتمعات البشرية منذ القدم في تدبير شؤون الحكم وتصريف الأمور، وهي عملية أصبحت معقدة مع تطور ونمو المجتمعات وتشابك مصالحها وارتفاع أسقف احتياجاتها، ولذلك نشأت الأنظمة والقوانين والتشريعات التي يمكن أن تتكيف معها المجتمعات بما يلبي تطلعاتها، ويحافظ على تماسكها وتوازنها وحمايتها من أي خلل يتصدع معه بناء الدولة والمجتمع. ولعلّ أكثر المخاطر التي تتهدد أي بناء أو نظام سياسي أن يتآكل من داخله، وذلك كان حال كثير من الدول والإمبراطوريات على مر التاريخ، ولنا في قصة سيدنا موسى عليه السلام وأخيه هارون قياسا لأي أضرار يمكن أن تلحق بالمجتمع الواحد، فحينما ترك موسى قومه من بني إسرائيل، في عهدة أخيه هارون، لبعض الوقت، بعد أن دعاهم إلى عبادة الله وحده واستجابوا له، ولكن السامري زاغت عقيدته، فصنع عجلا ذهبيا للتعبد، وتبعه آخرون، وهو ما سكت عليه هارون مؤقتا، وعندما عاد النبي موسى بعد غيبته وفوجئ بما جرى، فإنه وجه لومه وتقريعه إلى أخيه هارون، كما تروي الآيات من 92 إلى 94 من سورة طه، فكان رد هارون في النص القرآني «إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي» وذلك من أجل وحدة القوم وسد باب الفرقة والشقاق، وقد سكت هارون على هذا المظهر من مظاهر الشرك بالله، وهي حجة قدرها النبي موسى وأقرها، إذ لم يشر النص القرآني إلى أنه رد الحجة أو اعترض عليها. تلك الحالة تقدم لنا نموذجا في التعاطي مع انهيار وشيك لبنية المجتمع، وفي واقع اليوم فإن أغلب ما يعصف بالمجتمعات هو المذهبية واختلاف الريح السياسية والفكرية، ما يعزز فكرة التآكل الوطني، ولا شك أن المذهبية تستخدم حاليا كمعيار في المشاريع السياسية، بل أصبحت عمودا من أعمدتها، وأصبح التجييش الطائفي سمة القرن الحالي، وأكبر دليل على ذلك التدخل غير المبرر لحزب الله في سوريا. المذهبية مدعاة للحقد والتفرقة، وللأسف أصبحت السياسية المذهبية ظاهرة على السطح وهي مثل زبد البحر كثيرة بلا فائدة، وباتت تلك التوجهات المذهبية والطائفية تستخدم المذهب لخدمة منظومته السياسية استمرارا للدولة والسلطة دون مبالاة بالأرواح التي تذهب قربانا مجانيا للبقاء في السلطة، ولذلك فإن التسييس المذهبي أول عوامل هدم وانهيار منظومة الدولة الحديثة وذلك ما يتم عرضه حاليا في المسرح السوري، ولن ينتهي ذلك إلا بزوال الحكم القائم ودخول نفق مظلم ما بقيت الطائفية والمذهبية حاضرة في المستقبل الوطني.