12 سبتمبر 2025

تسجيل

المهتدي بالله العباسي

06 مايو 2021

قليل من يعرف هذا الرجل، ولا عجب فقد ظهر في فترة من أصعب الفترات على الدولة الإسلامية ولم يتم حكمه لسنة واحدة، ولكنه كان رحمه الله رجلا ورعا متعبدا عادلا قويا فى أمر الله بطلا شجاعاً حكيماً حليماً سياسياً لكنه لم يجد ناصراً ولا معيناً وكان يسبح ضد تيار هائل من الفساد الذي ساد في تلك الفترة بين قادة الجيش وعامة الشعب أيضا كانت أخلاقه قد فسدت وكثر فيهم الخبث حتى قامت أعظم ثورة في تاريخ الإسلام على الاطلاق واستمرت 15 عاما وراح ضحيتها زهاء ألف ألف وخمسمائة ألف (مليون ونصف المليون إنسان) وهي ثورة الزنج الذين ثاروا بسبب الظلم الشديد الذي وقع عليهم من أسيادهم. ذلك هو الخليفة العباسي الرابع عشر وهو أبو عبدالله، محمد (المهتدي بالله ) بن هارون الثاني (الواثق بالله) بن محمد (المعتصم بالله) بن هارون (الرشيد) بن محمد (المهدي) بن عبد الله (أبو جعفر المنصور) بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس (رضي الله عنهما) ولما ولي قال لمن حوله من الأمراء: لا أريد من الأموال إلا القوت فقط لا أريد فضلا على ذلك إلا لإخوتي فإنهم قد مستهم الحاجة. حكم هذا الرجل لمدة سنة إلا خمسة أيام وقيل خمسة عشر يوماً. فلم يسمح له الخونة باكمال سنته الأولى إلا وقد انقلبوا عليه ثم قتلوه بعدما أسروه بطريقة خسيسة تتناسب وخسة أعدائه رحمه الله. وذلك لأنه كان يحاول بكل الطرق أن يعيد الأمور إلى بني العباس وأن يتخلص من حكم العسكر وقد نجح في ذلك نجاحا جزئيا ولكنهم ثاروا عليه فخرج لهم رحمه الله على رأس جيش ممن بقى على الولاء للخليفة من بعض العسكر وعامة الشعب ولكن لما ابتدأ القتال انقلب عسكر المهتدي عليه وخانوه فانضموا إلى جيش العسكر، وصبر لهم المهتدي وقاتلهم حتى قتل منهم أربعة آلاف في ذلك اليوم ولكن خيانة العسكر أوهنت عزيمة جيش الخليفة فانكشف الناس عنه وبقي وحيدا في ساحة القتال وبيده السيف مصلتا وهو يصيح في الناس أن اصبروا وانصروا خليفتكم ولكن هيهات فقد حلت الهزيمة الكاملة بجيش الخليفة وطعن رحمه الله في خاصرته وأصيب بسهم في كتفه مقبلا غير مدبر فوقع أسيرا في يد اعدائه الذين قتلوه بلا ذنب غير أنه كان يريد اعادة الامور إلى نصابها الصحيح. ابتدأ المهتدي حكمه بأن ضرب له قبة اسماها قبة المظالم وكان يشرف فيها على المظالم بنفسه وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ثم إنه امر بقتل الأسود والنمور وكلاب الصيد التي كانت في دار الخلافة (دار الخلافة عبارة عن مدينة متكاملة داخل العاصمة بغداد وكان فيها الكثير من القصور والحدائق وسكن الحاشية وغيرها من مظاهر أبهة الحكم ولم تكن مجرد دار صغيرة كما يوحي اسمها بذلك). ثم إن المهتدي رحمه الله طرد المغنين والمغنيات من دار الخلافة ومنع الخمر فيها وكان رحمه الله يصوم في كل يوم من أيام خلافته. وجاء في سير أعلام النبلاء عن أبو العباس هاشم بن القاسم: كنت عند المهتدي في عشية رمضان فقمت لانصرف فقال اجلس فجلست ثم صلى بنا ودعا بالطعام فأحضر طبقا عليه أرغفة وآنية فيها ملحٌ وخل وزيت، فدعاني إلى الأكل فأكلت أكل من ينتظر الطبيخ، فقال: ألم تكن صائما؟ قلت: بلى قال: فكل واستوف فليس هنا غير ما ترى. فعجبت وقلت ولم يا أمير المؤمنين وقد أنعم الله عليك؟ قال اني فكّرت انه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز، فغرت على بني هاشم وأخذت نفسي بما رأيت. فرحم الله أبو عبد الله الذي حفظ التاريخ اسمه وورعه وعدله وشجاعته وكم من مهتدي بالله غدر به الخونة فلعنهم التاريخ وحفظ سيرة الحكام الأبرار. هو ركن مملكة وحائط دولة وقريع شهباءٍ وكبش نطاح ‏[email protected]