11 سبتمبر 2025
تسجيلهذا هو السؤال الأصعب، من يقتل من في المحروسة؟ في مواقع عدة قبل واقعة العباسية الأخيرة قتل واستشهد نفر من شباب ورجالات. كانوا يشاركون في اعتصامات واحتجاجات وحتى هذه اللحظة لم يعرف من القاتل؟ ما هي ملامحه؟ ما أهدافه من القتل الذي يتم بالرصاص الحي وطلقات الخرطوش وبالأسلحة البيضاء من سيوف ومطاوي وسكاكين صغيرة وأشياء أخرى؟ التحقيقات التي تمت لم تتمكن من الإجابة عن السؤال؟ والأجهزة الأمنية سيادية وغير سيادية ربما لديها إجابة لكنها لم تشأ حتى هذه اللحظة البوح بها لاعتبارات تخصها.ثمة حيرة واسعة تنتابني مع غيري من المتابعين للشأن العام إنه غموض موغل وصعب على الكشف مثل السؤال تماما. لكن إلى متى يظل شاهرا سيفه بوجه الجميع. فاتحا أبوابه لمزيد من القتل الذي يؤشر إلى حضور ثقافة مغايرة في الواقع الاجتماعي المصري تتمثل في امتلاك القدرة على التمثيل. ومطاردة الهدف حتى الخلاص منه بالذبح والتشويه وقد شاهدت صورة طالب الطب المذبوح في أحداث ميدان العباسية قبل أن تنشرها "الأهرام "فأصابتني الكآبة على مدى النهار كله يوم الأربعاء المنصرم وسكنتني مساحات من القلق على مسار الثورة والتجربة الجديدة في المحروسة وعلى البشر أيضا. ومبعث قلقي أن تقود متوالية القتل إلى بناء تراكم من ثقافة الانتقام فيتمدد في البلاد طولا وعرضا. مما يدخلها في حقول النار التي لو أضرمت في المحروسة سيكون من الصعب وقفها ولاشك أن ثمة من ينزع إلى تحقيق هذا الهدف الخبيث. والتحريض عليه لم يتوقف منذ انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير. التي شكلت ولا تزال مبعث قلق لدوائر عدة في الداخل أو في الإقليم المحيط بالمحروسة. أعود إلى الجوهر وأتساءل مع نفر غيري من يقتل من في المحروسة؟ وقبل الولوج في تحليل الملابسات المحيطة بالسؤال يجدر بي أن أفكر بصوت عال بعيدا: هل كان من الضروري التوجه من قبل أنصار الشيخ حازم أبو إسماعيل المرشح المستبعد من قائمة المرشحين الرئاسة أو غيرهم من القوى المتحالفة معهم إلى مقر وزارة الدفاع والتي تضم مكتب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والقيادة العامة للجيش ورئاسة الأركان وغرفة العمليات الرئيسية. وهو ما يسمى هنا بقدس الأقداس للقوات المسلحة أي منطق وأي معقولية استند إليها قرار الزحف إلى هذا المقر؟ هل هو للانتقام من استبعاد الشيخ؟ وهل يكون الثمن إدخال المحروسة في دائرة جهنمية؟ لأن الجيش لن يسمح على وجه الإطلاق بسقوط مقر قيادته فذلك أمر يتعلق بشرف العسكرية؟ وهل يسفر ذلك في رأي الشيخ وأنصاره حتى لو اتكأوا على مبررات ثورية إلى إعادته إلى قائمة المرشحين أو فرضه رئيسا بالقوة؟ ومع ذلك لست من أنصار الرد على هؤلاء المعتصمين من أجل الشيخ بالقوة أو قتل نفر من قبل جهات مجهولة حتى الآن. رغم وصفهم بالبلطجية أو اتهام سكان العباسية الذين شعروا بوقف حال منطقتهم من جراء الاعتصام. إن منهجية القتل والمطاردة التي بدأت في واقعة مسرح البالون ثم في ماسبيرو ثم شارع محمد محمود ثم شارع مجلس الوزراء مازالت متواصلة. وهي ليست مبررة مهما كانت مبررات من يمارسونها على نحو مخيف. ولست من المصدقين لمقولة الطرف الثالث فهي مقولة غير واضحة القسمات ولا تنبئ إلا عن الاستهانة بأرواح المصريين وهو ما يستوجب من الأجهزة المسؤولة تقديم تفسير منطقي لها وذلك درءا لما يتردد بين أفواه الناس ويلتفت إليه البعض تلميحا أو تصريحا في الوسائط الإعلامية المتنوعة. وفي صدارته أن ثمة قوى مرتبطة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم والذي تحاول بعض الدوائر أن تصنفه ضمن قوى الثورة المضادة وهو أمر لا أوافق عليه مطلقا لقناعتي بأنه اللاعب الرئيسي الذي انحاز إلى ثورة وثوار الخامس والعشرين من يناير وأعلن بيانه الأول قبل سقوط مبارك مؤكداً مساندته للمطالب المشروعة للشعب المصري ومن دونه بعد توفيق الله سبحانه وتعالى ما كان بمقدور الثورة أن تسقط نظام مبارك العتيد. فضلا عن ذلك فإن ممارسة القتل بتوجيه من المجلس أمر يتعارض مع العقيدة القتالية للجيش المصري التي لا تقوم على توجيه السلاح للشعب وإنما للعدو القادم من وراء الحدود. ومع ذلك لست في حل من توجيه اللوم إلى المجلس لأنه منذ البدء أبدى تراخيا في التعامل مع ظواهر الانفلات الأمني وبروز رقم الخارجين عن القانون أو حسب التعبير المصري الدارج – البلطجية – ولم يتدخل ضدهم بحسم وكان بوسعه أن يتمكن من فرض سطوته في أنحاء المحروسة التي كابدت من انفراط عقد الأمن وسيطرة رجال وفئات على الطرق السريعة والأماكن النائية فأزعجوا الآمنين وروعوا البشر خطفا وقتلا وسرقات مازالت للأسف مستمرة حتى اليوم مع غياب واضح لرجال الشرطة والمرور وقيام أصحاب المحال التجارية بعدم الاكتفاء بالأرصفة وإنما بالتمدد إلى الشوارع بالإضافة إلى استحواذ الباعة الجائلين على أهم شوارع وسط القاهرة كشارعي طلعت حرب و26 يوليو اللذين تحولا إلى بوتيكات تجارية متنقلة ومناطق تحكمها عصابات تتناحر فيما بينها على النفوذ فتوقف حركة المرور لعدة ساعات أو أيام. إن المحروسة مقدمة على تجربة مغايرة تماما تتمثل في اختيار رئيس جمهوريتها من بين مرشحين عدة لأول مرة في تاريخها وهو ما فسر البعض الاعتصام الأخير بأنه يهدف إلى إجهاض هذه التجربة والحيلولة دون إتمامها ولاشك أن هذا البعض مخطئ بشدة إن كان يسعى إلى ذلك لأنه باختصار يجهض الثورة التي حلم الجميع بأن تقودنا إلى هذه المرحلة: رئيس مدني منتخب من الشعب مباشرة وعبر الاقتراع المباشر. ولوثبت ذلك فإنه يتعين معاقبة المحركين والمشاركين في اعتصام وزارة الدفاع بوسائل قانونية لأن ما جرى لولا لطف الله كان بمقدوره أن يدفع المحروسة إلى مذبحة دموية قد تعقبها حرب أهلية لا قدر الخالق ذلك أبدا على مصر وأظن أن القرار الذي اتخذه المجلس العسكري مساء الجمعة الماضي بفرض حظر التجول في ميدان العباسية والمنطقة المحيطة بمقر وزارة الدفاع خطوة صحيحة باتجاه فرض الاستقرار في عاصمة الوطن وإلا لتحولت المنطقة إلى بدايات مخاطر تحدق بكل الوطن وإذا كان الشيخ حازم أبو إسماعيل قد خسر معركة الترشيح لرئاسة الجمهورية هذه المرة. نتيجة عدم توافر الشروط القانونية. فإنه بوسعه أن يخوض معركة تغيير شروط الترشيح للمنصب الرفيع من خلال الوسائط القانونية والتي باتت متاحة على نحو واسع في ظل المساحة الواسعة من الاستقلال التي يتسم بها القضاء المصري لا أن يدفع أنصاره إلى المواجهة والصدام مع رموز المؤسسة العسكرية وفي مقدمتها مقر وزارة الدفاع بالعباسية. إنني أرفض بقوة منطق القتل الذي تعرض له الشباب المعتصمون وهو ما يدعوني إلى مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحسبانه يتحمل المسؤولية السياسية الأولى إلى الكشف بوضوح عن القتلة وهوياتهم وإلى من ينتمون حتى يبرئ ذمته التي يحاول البعض أن ينحي عليها باللائمة وربما التدبير وذلك يتطلب من رجالاته مواصلة الحوار مع مختلف ألوان الطيف السياسي لإنهاء متطلبات المرحلة الانتقالية استنادا إلى الشفافية ولعل الخطوة الأولى- وإن كانت متأخرة نسبيا- تجسدت في عقد ثلاثة من أعضائه لمؤتمر صحفي حاول إلى حد ما توضيح الغامض وتفسير ما جرى ولكنه لم يشف كل الغليل فالشعب مازال في حاجة إلى المزيد حتى يتيقن أن المحروسة بمنأى عن الخطر أو الأخطار التي تسعى قوى عديدة إلى رسمها بوجهها. السطر الأخير: أمطرك شعرا أيا بهية الأماكن ومزدانة بالمرجان والياقوت فيك تكويني براءاتي الأولى رحلتي للوجد. سكن البيوت أقيمي داخلي خيمتك الصوفية انشطري بروحي نصفين: نصف لسواحل الهوى وآخر لعشق لا يموت