19 سبتمبر 2025

تسجيل

هل يستطيع الإعلام التقليدي منافسة الإعلام الافتراضي الجديد؟

06 أبريل 2014

لاشك أن عالم اليوم أصبح العالم قرية عالمية متداخلة مع العوالم الأخرى القريبة منها والبعيدة، والتي لا خيار لنا في القبول بأطروحاتها أو عدم القبول، فإن هذه المرحلة بعيداً عن التعريفات والمصطلحات تعني إلغاء الحدود القومية، وتعميم مفاهيم العولمة، ونقل نطاقها إلى أقصى حد من العمومية بدون رقابة أو حجب، وفي فضاء مفتوح ومتاح كونياً للعالم. ومن هذا المنطلق الإعلامي العربي بصورة عامة، والإعلام الخليجي بصورة خاصة سيتأثر بلا شك من هذه التطورات المتسارعة، وأصبح (مجتمع الإعلام العالمي) وتأثيره حقيقة واقعة لا جدال فيها، وأن هذه التطورات المقبلة ستشهد تراجعاً ملحوظاً في السيادة الوطنية والثقافية للدولة. ذلك أن تقنية الاتصال المعاصرة تسمح للفرد بالانفتاح على مجالات إعلامية وثقافية متعددة من دون أن يكون خاضعاً لمشيئة الدولة وسياساتها الإعلامية والثقافية.هذا الانفتاح وما يقابله من تدفق معلوماتي مقصود تجاه المشاهد ـ المستقبلين ـ لا بد أن يؤثر إلى الدرجة التي يمكن معها المستقبل أن يرتبط برصيد معرفي مشترك مع المصدر "الآخر" القوي، مصدر قد يؤثر في سلوكه وتفكيره أكثر من ذلك المتعلق بهويته الأصلية.ولعل أخطر هذه التحولات ما يقوم به الإعلام في تشكيل أنماط معينة من السلوك الإنساني وتهميش أنماط أخرى من خلال لغة الصورة ورموزها. تحولات أدركت بموجبها الدول المتقدمة أهمية الأدوار التي يمكن أن يقوم بها الإعلام كبديل لممارسة الديمقراطية، خصوصاً بعد أن احتلت وسائط الاتصال المساحة المخصصة لممارسة الفعل الديمقراطي، إذا أصبحت هذه المساحة هي ذاتها المخصصة للإعلام، ولذلك لم يعد الإعلام يمثل السلطة الرابعة، بل أصبح يشغل المجال الشفاف بين الفعل السياسي والثقافي ورد الفعل الجماهيري. ويعتقد العديد من المهتمين بتأثيرات العولمة الفكرية والثقافية أن هذه التطورات الكبيرة في وسائل الاتصال والإعلام سوف تجعل العالم يتغير كثيراً ويتفاعل مع الثقافات الأخرى بحكم هذا التطور المعلوماتي والإعلامي المتسارع. إن التوقعات المقبلة أن يتوسع عالم المعلوماتية وعولمة الإعلام بحيث تنافس الدولة في بعض صلاحياتها، لاسيما مجال الإعلام وتأثيره في الرأي العام وقدرته وإمكانياته التكنولوجية على الاختراق الكوني حد الانتقاص من السيادة الوطنية، بحيث إن الشبكات الهائلة من علاقات القوة والهيمنة ستعمل من خلال الشركات العابرة للقارات، وغطاء منظمة التجارة العالمية، وغيرها من المؤسسات الاقتصادية على الاختراق السيادي، وعلى الأخص الاختراق الإعلامي المعلوماتي "ويذكر جوزيف ناي ـ وهو مسؤول سابق في البنتاغون وعميد معهد كينيدي في جامعة هارفارد حالياً ـ في مقال كتبه بالاشتراك مع وليم جونز ونشرته مجلة "الشؤون الخارجية" في عدد نيسان من العام 1996 "كيف أنه سيكون من السهل على أمريكا أن تسيطر سياسياً على العالم في المستقبل القريب، وذلك بفضل قدرتها التي لا تضاهى في إدماج النظم الإعلامية المعقدة . ويبيّن صاحبا وجهة النظر الأمريكية هذه إلى أي مدى تأثرت مفاهيم السيادة القومية تحت وطأة الاختراق الإعلامي عبر شبكات التلفزة الفضائية والإنترنت. حيث لم يعد بإمكان الدول ذات السيادة التقليدية أن تحجب عن فضاءاتها الغزو الثقافي والإعلامي. الأمر الذي كانت توفره إجراءات سيادية تقليدية من مثل إغلاق بوابات الحدود الجغرافية في وجه عمليات الاختراق الآتية من خارج. حتى أن عدداً من الخبراء الإنجليز راحوا يصفون هذه الظاهرة العالمية بـ "القوة الناعمة" التي تستطيع أن تحقق غاياتها الفكرية على نطاق واسع من دون أن تخلق ردات الفعل الكلاسيكية الثورية من جانب الشعوب التي تتعرض كرامتها القومية للمهانة وسيادتها للانتهاك وأرضها للاحتلال.لا شك أن قضية التحدي الإعلامي في وقتنا الراهن تعتبر مسألة هامة تستدعي المراجعة والتقييم وبلورة الوسائل الجديدة، لهذه المرحلة التي باتت من الخطورة، ما يحتم أن تكون لنا معطيات ومنطلقات تخدم المرحلة الراهنة بكل تحدياتها الراهنة والمستقبلية. فلا يكفي التحذير والتخويف والتنظير الكلامي غير الواقعي لمواجهة التحديات وإنما يجب أن تتم برسم الخطط وإيجاد الوسائل الحديثة وإعداد البرامج الأكثر جاذبية وتشويقية تخدم قضايا المجتمع، وتناقش مشكلات المواطن وهمومه بصراحة وحرية بعيدا عن المبالغة والتهويل أو البتر والتحوير، لأن مرحلة التحدي الفضائي ومخاطره الثقافية والفكرية وحتى الاجتماعية تستدعي- كما قلنا- إعطاء روح جديدة للوسائل الإعلامية العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص. ونحن لا نتحدث عن توقع أو خيال وإنما نتحدث عن واقع وحقائق قائمة، حيث تستباح مجالات الفضاء بصورة نهائية، ويسيطر الأقوى تكنولوجيا على فكر العالم وعقله، فتسهل عليه في كافة الشؤون الأخرى في الوقت الذي يصبح فيه العالم النامي عديم الحيلة أمام تلك القوى التي تمتلك الوسائل وأساليب الدعايات العديدة.واضطرت الكثير من الدول إلى فتح أبوابها على مصراعيها، وبعض على وشك السير في هذا الطريق، أمام هذا التطور المفروض بمنظمة التجارة العالمية "الجات" تحت مسميات دعم التفاهم بين الشعوب وتقديم الثقافة والفكر لبلورة حوار الحضارات والتواصل الإعلامي الجديد وتعميم التكنولوجيا والمعلوماتية "الإنترنت" عبر الفضاء.لكن البعض الآخر يختلف مع هذه الرؤى المتداولة ويعتقد أن هذا الجديد الوافد سيصب حتماً في صالح الشعوب الأخرى التي لا تملك الكثير من المقومات الاقتصادية أو الاجتماعية أو التكنولوجية.