14 سبتمبر 2025
تسجيلعلى الرغم من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ووصول القمة لطريق مسدود، فإنها تتأرجح ولا تسقط، وتحتضر ولا تموت، لأن الراعي الأمريكي يحاول مدها بأجهزة التنفس الاصطناعي للحيلولة دون موتها النهائي، فالجميع حريصون على عدم إعلان " وفاة المفاوضات "، ولكل طرف من الأطراف أسبابه الخاصة. إلا المصيبة الكبرى في محاولة إطالة هذه المفاوضات العبثية، رغم توقفها مرحليا، هو تحولها من مفاوضات للبحث عن حلول تعيد للفلسطينيين حقوقهم السليبة إلى مجرد "مفاوضات للمفاوضات"، فالمهم أن تستمر حتى ولو كانت مشلولة وغير قادرة على الحركة أو تحريك أي شيء، مما يسبب المزيد من المعاناة والشقاء بالنسبة للفلسطينيين المعذبين في الأرض. ما يهم الكيان الإسرائيلي هو استمرار التنسيق الأمني بين سلطة محمود عباس والأجهزة الإسرائيلية، والحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية، ومنع أي انفجار على الأرض، وكذلك توفير غطاء دولي للاحتلال الإسرائيلي للاستمرار بالاستيطان وتهويد الضفة والقدس دون مساءلة على اعتبار أن هذه الأمور تندرج تحت بند "قضايا الحل النهائي" وبالتالي لا يجوز فرض حل على أحد الطرفين، وبما أن الكيان الإسرائيلي هو الأقوى فهو قادر على فرض كل ما يريد على الجانب الفلسطيني، في حين لا تجد سلطة عباس مفرا من الاستجابة للإملاءات الإسرائيلية لأنها الطرف الأضعف، كما حدث عند استئناف المفاوضات العبثية دون وقف الاستيطان، وهو الشرط الذي وضعته سلطة عباس ثم تنازلت عنه لاحقا، أي أن سلطة عباس تستلم للإرادة الإسرائيلية دون مقابل استراتيجي. في الجهة الأخرى تحولت هذه المفاوضات العبثية إلى مبرر للوجود بالنسبة لسلطة محمود عباس، في ظل إلغاء الخيارات أخرى، وبالتالي فإن موت المفاوضات يعني أيضاً موت سلطة عباس، وهو ما لا يريده هذا الرجل السبعيني الذي لا يملك أي شرعية نضالية لقيادة الشعب الفلسطيني، وهذا الموت قد يجر الويلات على حركة فتح التي وفرت المظلة لعباس من أجل التفاوض على أمل تحقيق أي إنجاز على الأرض، وهو ما فشل بتحقيقه منذ بدء المفاوضات، فهو يقود سلطة غارقة في الفساد والديون، وعاجزة أمام الاحتلال وما يقوم به من اغتيالات واحتلالات في الأراضي التابعة نظريا لسلطته، وهو عاجز عن تقديم أي أمل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وعاجز عن حماية المدينة المقدسة وعن توفير الحماية للفلسطينيين الذي يموتون جوعا في مخيمات سوريا أو العراق أو الذين يتم التعامل معهم كمجرمين في مصر، وإذا ما أضيف على هذا العجز فشل الخيار الاستراتيجي المتمثل بـ "عملية السلام"، فإن هذا يعتبر بمثابة عملية انتحار. لا أمل أبداً من تكرار أنني لا أثق بعباس، لأنه لا يوجد في سجله سوى الإخفاقات والتنازلات عن حقوق الشعب الفلسطيني، فهو الذي يؤمن بالتفاوض كحل وحيد لا ثاني له حتى لو قضم الكيان الإسرائيلي كل فلسطين وهودت كل الأرض وحولت المسجد الأقصى إلى كنيس وطردت كل السكان واعتقلت كل الشباب. أما الطرف الثالث في المعادلة، أي الراعي الأميركي، فيبدو أنه يعتمد إستراتيجية "بقاء الحال على ما هو عليه حتى إشعار آخر" دون توجيه أي لوم للكيان الإسرائيلي، بل وتوفير درع حماية لهذا الكيان، ومحاولة إرضاء سلطة عباس ببعض الوعود المعسولة التي سرعان ما ينفيها الزعماء الإسرائيليون كما حدث أكثر من مرة، وهذه الإستراتيجية لا تكبد الأمريكيين الكثير من الخسائر، فهم مشغولون بـ "التناوش" مع روسيا حول أوكرانيا وأوروبا الشرقية أكثر من اهتمامهم بالوضع في فلسطين المحتلة لأن الاحتلال الإسرائيلي لا يواجه أي خطر حقيقي.