أهــلا وسـهـلا بـضـيـوفـنا

عندما يتعلق الأمر بالضيافة، فإن العرب معروفون بكونهم بارعين في فن الترحيب. تاريخياً، تنبع أصول هذا السلوك من الرغبة في إيواء وإطعام المسافرين العابرين في الصحراء والذين ينتقلون من منطقة لأخرى. الهدف النهائي للضيافة العربية هو تكريم الضيف وكسر الجليد، وبالتالي تخليص الناس من "الإحراج" والخوف الذي يصاحب لقاء الغرباء. ويفخر العرب بالترحيب بالضيوف في محيط بيوتهم؛ سواء في صيوان بيوت الشعر قديما أو في المجالس الملحقة بالمنازل لخلق جو من الاندماج والترحيب الناجح بالضيف. وضمان الحماية لهم من الأذى وليشعروا بأنهم في أوطانهم. وكما يقول المثل الإنجليزي (feel at home) فضلا عن أن العرب يفزعون للضيف الملهوف المحتاج للسند المادي والمعنوي. كلمة كرم يعتز بها العرب حتى أنهم يطلقونه اسما على أبنائهم وبناتهم. وجميل منطوق الشاعر حين قال (وليس على عبد تقي نقيصة إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم / أن يذكر الطائي بأنه الكرم وحديثه المأثور عنه في القدم). وأن عدم القيام بواجبات الضيافة يعتبر نوعا من الخزي والخجل. وفي قطر كما في كافة الدول الخليجية، تنتشر المجالس والديوانيات في كل فريج وهناك بعض العوائل التي تسمي المجالس باسمها لتجتمع فيها دوريا، ويقومون بواجب الضيافة لكل من يأتي إليهم لتعزيز العلاقة بين المضيف والضيف بعناية وللحفاظ على الأصالة وتراث البلد. وفيما يتعلق بعملية الضيافة نفسها، من المتوقع أن يتم الترحيب بالضيوف خارج المنزل، ثم مرافقتهم إلى الداخل. ويتم توجيههم إلى المكان الذي يجب أن يجلسوا فيه، ثم تتوالى عليهم القهوة تصحبها حلويات مثل التمر أو الرطب أو الحلويات الحديثة التي تقدم بشكل يعكس حفاوة أهل البيت أنفسهم ودرجة تقبلهم للضيف. وفي معظم الأحيان يحظى الضيوف الأكبر سنًا بمستويات أعلى من الضيافة فيجلسون في أكثر منطقة مركزية بصدر المجلس وفي المقعد الأكثر راحة. في كتب الرحالة الغربيين والمستشرقين الذين عاشوا لسنوات في الجزيرة العربية أجمعوا كلهم على الكرم العربي المميز كما ظهرت الآلاف من الكتب باللغة العربية واللغات الأجنبية الأخرى التي توثق تلك العادات في الضيافة العربية. وأعجبني بحث علمي بعنوان الضيافة العربية والتعددية الثقافية تناول فيه الباحث السلوك الاستهلاكي للضيافة العربية في قطر ضمن ثلاثة جوانب: الضيافة المنزلية المتعلقة بالمجلس الرجالي أو استضافة النساء للنساء داخل البيت نفسه. وتناولت الدراسة أيضا الضيافة التجارية المتعلقة بالسماحة التجارية والتوأمة بين الشركات المحلية والخارجية وتناول البحث أيضا الضيافة تجاه العمال الأجانب المتواجدين في البلد ومستوى الرضا العالي عن عيشهم في قطر ومدى تمتعهم بالضيافة المحلية حتى الساعات المتأخرة من الليل في مشروع حفظ النعمة. اسأل نفسك ما الشعور الذي ينتابك عندما تستقبل ضيوفا في مجلسك؟ ستجد أن لذة العطاء هي السائدة لديك وستجد أن نشوة الضيافة هي التي تطفو على مشاعرك مقرونة باحتساب الأجر من الله وطلب البركة في البيت والأهل، ووضع نية دفع البلاء كما جاء في الحديث صنائع المعروف تقي مصارع السوء. وأثناء جائحة كورونا تغيرت بعض السلوكيات التي تطلبتها الاحترازات الصحية والأمنية من ضمنها انقطاع المجالس بشكل وجاهي مما تطلب معه التواصل مع الأهل والأصدقاء عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يسمى المجالس الإلكترونية باستخدام منصة تيمز أو زوم أو غيرها. هذه اللقاءات لا تغني عن اللقاءات المباشرة الوجاهية كي يشعر الجميع بدفء الترحيب وليسمعوا باستمرار (أهلا وسهلا بضيوفنا أنتم أصحاب المكان) وليتردد صدى الجملة الخالدة: أكرمكم الله جعله مجلسا عامرا. آخر المطاف: تستقبل جامعة قطر ضيوفا أعزاء من خبراء تربويين من أجل تحكيم برنامج بكالوريوس التربية الخاصة الذي يقدمه قسم العلوم النفسية. هذه الزيارة بالرغم من حرصنا الشديد أن تكون وجاهة في الدولة وفي الحرم الجامعي، إلا أن الظروف حتمت أن تكون عبر منصة ميكروسوفت تيمز. فنقول لهم بداية أهلا وسهلا ضيوفنا الكرام، ونقول لهم نهاية حياكم الله واسمحوا لنا على القصور. همسة: ولو قلت لك بعدك ألم. تبقى معي؟ دمتم بود. [email protected]