18 سبتمبر 2025

تسجيل

نظرة تغلبها العبرة

06 مارس 2012

حينما فكرنا مرة بتغيير أنفسنا أقلنا حكومة وشكلنا أخرى دون أن يجرؤ أحدنا على المساس بالكراسي الحاكمة التي تلعب بنا مثل بيادق الشطرنج تطيح بالجنود تباعاً ووحده الملك يقف شامخاً بينهم..وحدها (تونس الوديعة) في ليلة وضحاها قررت أن تكون ذئباً يتصيد الملوك فأطاح بالملك مهدور الدم والكرامة ليلحقه وزيره الذي أعلن استقالته أيضاً معلناً وهو يرتشف قطرات من الماء البارد لعلها تسهل عليه مصيبته أن تنحيه عن رئاسة الحكومة المؤقتة كانت تقف وراءها ضغوطات كبيرة ورغبة أكبر في حقن دماء التونسيين واسمحوا لي أن أتشكك بهذه الرغبة باعتبار إن الغنوشي كان من أذيال نظام شين الفاسقين بن علي ولم يكن مؤهلاً للاستمرار وتذكير هذا الشعب العظيم بهذه الحقبة الزمنية التعيسة ليحكم تونس بعدها حكومة إسلامية أدعو الله أن تكون معتدلة ومنصفة لتتوالى الثورات بعد ذلك في مصر ثانية وأدت إلى اندحار وانحسار نظام حسني غير المبارك ولتقام الأفراح والليالي الملاح في شوارع ومدن ومحافظات مصر المحروسة وفي ليبيا اليوم على الشكل المأساوي الذي نشهده على يد المعتوه المختل عقلياً وفكرياً القذافي والذي يظن إن شعبه عُبّاداً له وعبيداً لمزاجه المهلوس بعظمة الشهرة والمناصب وتتزامن ثورة طرابلس الشامخة مع ثورات في اليمن والبحرين بالشكل الذي شهدناه مؤخراً وانتهى على خير والحمدلله فيما عدا سوريا التي تشتد أزمتها حالياً لاسيما وإن سقوط الأبرياء برصاص لا يرحم هو ما يؤجج المشاعر ويكمد الأفئدة حزناً وشبيهات لها في الجزائر وعمان والعراق باعتبار إن الأخيرة من الأساس تموج بالثورات المنددة منذ احتلالها ولا فرق بين سقوط حكومة وتشكيل أخرى فقد مضى زمن الرجال في بغداد وبقيت الأماكن والمناصب في يد أشباه الرجال وأنصافهم!... نعم.. هذا هو وطننا العربي الكبير.. يشتعل من محيطه الواسع إلى خليجه الصغير والعالم الغربي يرى بعين المتفرج الذي يتسلى وبنظرة الطامع الذي يتمنى ونحن من علينا أن نؤيد أو نرفض..أن ننضم للثورات أو ندعو لإخمادها..قلتها بالأمس وأقولها اليوم رحم هذه الأمة لا يتحمل تكرار الولادت العسيرة التي نشهدها اليوم على شعور صريح منا بأن زمن الصحوة قد أتى وزمن الغيبوبة قد ولى وأخشى من يوم تتعود هذه الشعوب على الانتفاضة فلا تعود تميز في حكامها الصالح منهم والطالح لمجرد أن (يسقط النظام) وتُستنسخ الثورات وسجل يا تاريخ!!..أخشى أن يرى أعداؤنا فينا القنوات السرية لقلقلة الأمن في بيوتنا وعلى أراضينا كما تفعل واشنطن اليوم والتي تحشر أنفها الكبير في ثوراتنا بحسب مصالحها كما فعلت في ثورة ليبيا التي ظل أوباما صامتاً حتى اليوم الثامن من وقوع المجازر القذافية ليعلن بأن لجنة من البيت الأبيض ستعمل على إمداد الرئيس بكل أحداث طرابلس وبنغازي ليكون رده بعد سقوط الآلاف من الأبرياء (إنه يحترم خيار الشعب الليبي في تحديد مصيره) وساعدت أميركا على إقرار عقوبات صارمة بحق القذافي وأبنائه آنذاك واليوم تحيك واشنطن خطتها المحكمة لتطويق بشار وحكومته واستجلاب الأسباب والأعذار لشن قوة حربية على سوريا وإسقاط آلاف أخرى من أبناء الشعب المهدور دمه وعرضه وأرضه والسؤال هنا يكبر ويكبر ما الذي تريده أميركا من ثورات الشعوب والنقمة على أصدقاء الأمس كما كان الحال مع حسني مبارك الذي ظل خادماً للمصالح الأميركية وحارساً أميناً للوجود الإسرائيلي في قلب الأمة العربية وعلى حساب الشعب الفلسطيني الذي لم يجد في حكومة مصر الفانية سنداً له على عكس شعوره تجاه الشعب المصري الفخور بنفسه اليوم وتعطيله للمصالحة الفلسطينية الفلسطينية التي احتضنتها القاهرة بعد سحبها من أراضي مكة الطاهرة واستكمال سلسلتها الموفقة على أرض قطر وبوساطة شخصية من أميرنا المفدى؟!.. ماهي مصلحة واشنطن اليوم في الاتصال مع قوى المعارضة السورية وقلب الطاولة على بشار الذي لم يكن يوماً صديقاً محبباً للبيت الأبيض وكانت خطاباته ومواقفه تمثل عرقلة صريحة لاستقرار إسرائيل وضمان أمنها خصوصاً وإن الحزب اللبناني المعادي حزب الله يمثل الحليف الأقوى لسوريا والمدافع عن حكومة بشار؟!.. هل أصبحت ثوراتنا مصلحة لنا أم لأعدائنا؟!..هذا هو السؤال الذي يجب أن يجيب عنه أهل الثورات اليوم كما ان علينا أن نفكر ونفكر ونفكر قبل أن نستبيح جسد هذه الأمة بالثورات والهتافات رغم الشعور بالفخر لتساقط بيادق الملوك عند أقدام الجنود!. فاصلة أخيرة: صعب أن تتكرر ثورة تونس.. والأصعب أن يستنسخ البعض ثورة مصر! ومن المستحيل أن تشابه ثورة مثل ثورة ليبيا! سوريا.. قتال لأجل الكرامة فكلهم كانت دروساً مجانية في الوطنية والحرية وما تلاها.. دروس خصوصية!