12 سبتمبر 2025
تسجيلمع انتهاء العام برزت من جديد قضية المكافآت السنوية في الشركات والتي يتجاوز بعضها عشرات الملايين، بغض النظر عن كون هذه الشركات تحقق أرباحا أم خسائر، كما هي الخسائر المتحققة في العديد منها. في البلدان الغربية حدث بعض الفرز بعد محاولات الإدارة الأمريكية تقنين هذا الجانب، حيث منحت مثل هذه المكافآت في هذا العام لأعضاء مجالس الإدارات والمدراء التنفيذيين في الشركات التي حققت نتائج جيدة وأرباحا تتيح توزيعات على المساهمين، أما تلك التي مازالت تمنى بخسائر، فإن المسؤولين عن إداراتها اكتفوا بمخصصاتهم المتواضعة أو أنهم تنازلوا عن هذه المخصصات لمساعدة شركاتهم على تجاوز الصعوبات. أما في البلدان النامية، بما فيها البلدان العربية، فإن هذه المكافآت أصبحت حقا مكتسبا لا يمكن المساس به، بأي شكل من الأشكال، وبالأخص في ظل غياب الأنظمة والقوانين التي تحدد هذه المكافآت ومتطلبات وشروط صرفها. لذلك، فقد أعلنت بعض الشركات المساهمة العامة التي بينت نتائجها السنوية تكبدها لخسائر كبيرة عن منح أعضاء مجالس إداراتها ومديريها التنفيذيين مكافآت مجزية في الوقت الذي تدنت أسهمها إلى الحضيض وتكبد مساهموها خسائر إضافية. إن ذلك يشبه إلى حد بعيد طالبا في المدرسة يرسب عاما بعد آخر، ومع ذلك تقدم له أسرته الحلوى بدلا من لومه وحثه على النجاح، مما يؤدي به إلى المزيد من الإهمال والفشل. والسبب الرئيسي لهذا الوضع يكمن في غياب الأنظمة والقوانين والهيئات الرقابية على أعمال الشركات المساهمة التي تحدد حجم هذه المكافآت وظروف استحقاقها وصرفها، مما حدا بمجموعة من المستثمرين والقانونيين في دولة قطر إلى المطالبة بضرورة تقنين مكافآت أعضاء مجالس إدارات الشركات والبنوك القطرية، علما بان مجلس الوزراء القطري قد وافق في العام الماضي 2010 على تحديد سقف مكافآت وبدلات أعضاء مجالس إدارات البنوك والشركات المساهمة بنسبة تتراوح ما بين 5% إلى 10% من الأرباح وبحد أقصى نصف مليون ريال سنويا. وبالإضافة إلى ذلك تضمن قرار مجلس الوزراء القطري العديد من الضوابط، كربط المكافآت بالجهد المبذول للارتقاء بمستوى أداء الشركات المساهمة وتجميد أسهم الأفراد الذين ينتخبون لأعضاء مجلس الإدارة لوقف تضارب المصالح التي قد تفسد أعمال هذه الشركات من خلال التسريبات والتلاعب بأسعار الأسهم. هذه وغيرها من القضايا هي جزء من أسباب المعاناة التي تمر بها أسواق المال في المنطقة والتي لا يمكن أن تتطور في ظل عدم استكمال الأنظمة والقوانين التي يمكن أن تضيف الشفافية لأعمال الشركات المساهمة، فالتسريبات لنتائج الشركات لعام 2010 على سبيل المثال كانت على أشدها في الشهرين الماضيين، إذ ارتفعت أسعار بعض الشركات وبمجرد الإعلان عن نتائجها بدأت في الصعود المؤقت لتعاود الهبوط، فالتسريبات قادت البعض إلى الشراء قبل إعلان النتائج ومن ثم البيع في فترة ما بعد الإعلان. في المقابل، فإن مثل هذه التسريبات في الأسواق الأوروبية العريقة يمكن أن تؤدي إلى السجن لفترة تصل إلى عشر سنوات وفق القانون، مما يجعل المسرب يفكر ألف مرة قبل إقدامه على هذه الخطوة غير القانونية، خصوصا وأن مراقبة السوق يمكنها بكل بساطة كشف هذه التسريبات من خلال متابعة عادية لعملية التداول. إذن تقف أسواق المال في المنطقة أمام محنة حقيقية لا تنحصر في الأزمة المالية العالمية والتي تخطتها أسواق المال في العالم، وإنما في الخلل الهيكلي والتجاوزات التي تصاحب عمل هذه الأسواق منذ قيامها وحتى الآن، بما في ذلك المكافآت العالية والمكلفة لإدارات الشركات المساهمة، أما الشركات المغفلة وذات الطابع الرسمي، فإن لها شأنا آخر لا علاقة له بأوضاع الشركات المساهمة العامة. والمطلوب الآن إعادة النظر في أساليب توزيع “الحلوى” وبالأخص في الشركات الخاسرة حتى يتم إصدار قرارات واضحة تحدد حجم وشروط توزيع المكافآت، وذلك للمساعدة في انتشال الشركات المساهمة من أزماتها المتفاقمة.