17 سبتمبر 2025

تسجيل

تحديد الأسعار.. بين حماية المستهلك وحقوق التجار

06 فبراير 2022

في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكلٍ أصبح مرهقاً للمستهلك، ووسط مطالبات الكثير بالحد من ذلك من خلال تحديد أسعار السلع والخدمات لحماية المستهلك من هذه الارتفاعات المستمرة، فهل يمكن فعلًا تحديد الأسعار؟ وما هي آلية تحديدها؟ وكيف يمكن الموازنة بين حق التاجر في ممارسة التجارة الحرة وبين حماية المستهلك؟ سنجيب عن هذه التساؤلات من الناحية القانونية بناءً على القوانين المنظمة للأسعار. ينظم القانون رقم (١٢) لسنة ١٩٧٢ بشأن التسعير الجبري وتحديد نسب الأرباح والقوانين المعدلة له هذا الموضوع. ووفقاً للمادة (١) من القانون يجوز لوزير التجارة والصناعة إصدار قرارات لتحديد أسعار السلع التي تصنع محلياً أو تستورد من الخارج (بند/١)، وكذلك تحديد نسبة الربح المرخص به بالنسبة لتلك السلع إذا كانت تباع بأرباح تزيد على الحد المألوف (بند/٢)، وتحديد أسعار بيع الوجبات والمأكولات في المقاهي والمطاعم والفنادق وغيرها (بند/٣)، وتحديد أجور الغرف في الفنادق (بند/٤)، وتحديد أجور وأسعار الخدمات والأعمال التي يقدمها الحرفيون ومن في حكمهم (بند/٥). فالمادة الأولى كما رأينا تضع الأساس القانوني لتحديد الحد الأقصى لأسعار السلع والخدمات أو تحديد نسب الأرباح المرخص بها. وبالفعل فقد صدرت العديد من القرارات في هذا الصدد، منها على سبيل المثال: قرارات بتعيين الحد الأقصى لأسعار بيع الطحين المدعوم وتنظيم تداوله، وأسعار بعض السلع كالأرز والسكر والدهن والحليب، وأسعار بيع لحم الضأن الأسترالي، وأسعار بعض المشروبات الغازية، وسعر بيع الطابوق الأسمنتي، وتعيين نسب الربح في تجارة الحليب المجفف. كما تنص المادة (٢) من القانون على أن للوزير تشكيل لجنة أو أكثر تتولى تعيين الحد الأقصى لأسعار بعض السلع والخدمات والأجور ونسب الأرباح (بند/٣). وقد تشكلت بموجب القرار الوزاري رقم (١٦٩) لسنة ٢٠١١ لجنة لتعيين الحد الأقصى للأسعار ونسب الأرباح، وقد نصت المادة (٢) من القرار على اختصاصات اللجنة ومن ضمنها تحديد السلع والخدمات الأساسية المراد تعيين الحد الأقصى لأسعارها ونسبة الأرباح (بند/١)، وتعيين الحدود القصوى للأسعار (بند/٤). وقد أصدرت اللجنة العديد من القرارات التي تحدد الحد الأقصى لأسعار بعض السلع والخدمات مثل قرارات بتعيين أسعار بعض السلع والمواد الغذائية في شهر رمضان المبارك، وقرارات بتعيين أسعار الأسماك والخضراوات والفواكه، وقرار بتعيين الحد الأقصى لأسعار المعقمات. وقرارات بتعيين الحد الأقصى لأسعار بعض الخدمات مثل خدمات مواقف المركبات، وقرار بتعيين الحد الأقصى لأسعار استخدام العمالة المنزلية. وبناءً على ذلك، فإن القانون يسمح صراحةً بتعيين أسعار السلع والخدمات وتحديد نسب الأرباح. ولكن علينا أن نلاحظ بأن الأصل في التجارة أن تكون حرة وخاضعة لقانون العرض والطلب، وأنَّ تدخُّل الجهات المختصة في السوق وفي العمليات التجارية يجب أن يكون بحدود وفي إطار تحقيق التوازن الاقتصادي في السوق بشكل يضمن حماية المستهلك أولاً وفي المقابل يكفل حرية التجارة. وهذا المبدأ الذي نص عليه الدستور في المادة (٢٨) بأن «تكفل الدولة حرية النشاط الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية». لذلك نجد أن التدخل بتحديد الأسعار ونسب الأرباح يكون في نطاق السلع والخدمات الأساسية التي تمس حاجة المستهلك، ولا يمتد إلى غيرها من السلع غير الأساسية والتي إن جاز التعبير تُعد سلعاً وخدمات رفاهية. ويجب ألا نغفل عن أن تحديد الأسعار والأرباح بهذه الطريقة لا يجب أن يتم بدون الأخذ في الاعتبار دراسة الوضع الاقتصادي العام كارتفاع أسعار الإيجارات وغيرها من الالتزامات التي تقع على عاتق التاجر، واضطراره للبيع بسعر مرتفع حتى يتمكن من الوفاء بالتزاماته وتحقيق الربح المنشود من ممارسته التجارة. وأخيراً، لعل الرقيب الأشد على الأسعار وعلى مواجهة جشع التجار هو المستهلك نفسه وثقافته الاستهلاكية، وخاصة في السلع والخدمات غير الأساسية. فقد ورد بأن الناس قد شكوا لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - غلاء اللحم، فقال: أرخصوه. أيّ لا تشتروه فيقل عليه الطلب فيرخص سعره. وفي حادثة أخرى فقد شكى الناس إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن الزبيب قد غلا، فقال لهم: أرخصوه بالتمر. وفي ذلك نصيحة باستبدال السلعة الغالية بسلعة أرخص منها حتى ترخص. ماجستير في القانون Alibinkhalil@