11 سبتمبر 2025
تسجيلكثير هي السهام المسمومة التي تطلق نحو السياسة القطرية والدور القطري في العالم العربي، لكنها سهام طائشة وخائبة ترتد وبالا على من أطلقها، فلم تتعود قطر أن تهاجم أحدا أو أن تذكر مساوئ الآخرين، على كثرتها، رغم أن بيوتهم أوهى من بيوت العنكبوت وأكثر هشاشة من الزجاج، وتتأسى بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي كان ينتقد بقوله: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا"، وهذا ديدن قطر والقطريين على الدوام.من المفروغ منه أن السياسة القطرية تحظى بقبول شعبي جارف في العالم العربي، لأنها تعبر عن تطلعات الأمة العربية بالحرية والكرامة والعدالة والانعتاق من الفساد والدكتاتورية والظلم، والبحث عن قواسم الائتلاف المشتركة والابتعاد على مواطن الخلاف، بغية انتشال الأمة من وهدتها وغفوتها والمساهمة وإنقاذها من مستنقع التخلف والعنف والانقسام، وهذا ما دأبت عليه السياسة القطرية منذ زمن طويل في لبنان ودارفور وفلسطين واليمن والصومال وأرتيريا وجيبوتي، فلم يكن لقطر من حركة إلا في اتجاه وقف العنف وسفك الدماء وإحلال الوئام.عندما اندلعت الثورات العربية، وقفت قطر إلى جانب الشعوب العربية المظلومة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وعملت الدبلوماسية القطرية في سبيل إخراج الأمة من الأزمة باتجاه عصر جديد يلبي المطالب الشعبية بالحرية ويوقف دوامة الشر المتصاعد، لكنها للأسف جوبهت بتحالف الشر الذي يسبح "عكس التيار"، وهي سباحة محكوم عليها بالغرق في المزيد من المشاكل والعنف والدم.وفي الوقت الذي كانت فيه قطر معبرا صادقا عن ضمير الأمة وروحها وآمالها، دأب الآخرون على الوقوف في وجه المطالب الشعبية والعمل ضد إرادة الناس، وأفضل مثال على ذلك ما جرى في مصر، التي نجحت ثورتها بخلع مبارك والدخول في عملية ديمقراطية أفضت إلى انتخاب أول رئيس مدني في تاريخ مصر الحديث، فما كان من الأفاعي إلا أن خرجت من جحورها لبث السم لقتل الوليد الديمقراطي الوليد في مهده، ولم تستمر التجربة أكثر من عام واحد، ليطاح بالرئيس المنتخب والإرادة الشعبية المصرية بانقلاب عسكري أعاد الجنرالات إلى السلطة من جديد، وهم الذين يسيطرون على المشهد السياسي منذ 62 عاما، وحظي هذا الانقلاب الآثم بالدعم المالي والمادي والإعلامي الكبير ووظفت آلة إعلامية ضخمة من أجل الإطاحة بالرئيس المنتخب وتم دفع مليارات الدولارات من أجل "هندسة" حركة جماهيرية تم إخراجها تلفزيونيا لقلب الأوضاع رأسا على عقب، وهو ما حدث فعلا.في ظل هذا الواقع اتخذت قطر موقفا واضحا، ودعت إلى الحوار بين المكونات السياسية للمجتمع والدولة في مصر من دون إقصاء واجتثاث، كما اعتبرت أن طريق المواجهة والخيار الأمني والتجييش لا تؤدي إلى الاستقرار.هذا الموقف القطري الواضح الداعي إلى الحوار، رد عليه الفلول والانقلابيون وحلفاؤهم وأشياعهم بشن حملات من الكراهية والشيطنة والتشكيك والترويج للشائعات والأكاذيب، واشتغلت آلة "حلف الشيطان الجهنمية" بالترويج لحملات الكراهية والشيطنة، على نطاق واسع، وعلى الرغم من أن قطر تملك أقوى قوة إعلامية في العالم العربي إلا أنها لم تعمد إلى الرد على هذه الترهات والأكاذيب، ولم تقع في مصيدة "حرب استنزاف إعلامية" تحرف البوصلة عن الاتجاه الصحيح، بل واصلت عملها بصمت في التعبير عن الإرادة الشعبية العربية وخاصة في مصر.قطر تقف في الضفة الصحيحة من التاريخ، وتدعو إلى الحوار والحرية والعدالة دون اجتثاث أو إقصاء في حين يقف الآخرون على الضفة الخطأ التي لا تقود إلا إلى المهالك والدم والفوضى، بل ويخرج أحدهم ليقول "لا مجال للمصالحة ولا مكان للتفاوض" رغم المظاهرات التي تجتاح الشوارع والميادين، ويعتبر آخر أن الدبابة والرصاصة والسجون والمعتقلات هي الحل في مواجهة الشعب الثائر، وشتان بين قطر التي تدعو إلى الحوار والمصالحة، وبين من يدعو إلى القتل والاجتثاث، وهذا بالضبط ما سيرد السهام المسمومة إلى نحور مطلقيها لأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.