16 سبتمبر 2025
تسجيلهذه الأفكار البديهية جالت بذهني حين شهدت الفزعة التي فزعها البعض من النخبة التونسية ضد زيارة الداعية الإسلامي الشيخ نبيل العوضي لتونس ونشر صورة له في حضانة قرآنية وسط باقة من الفتيات التونسيات الصغيرات ترتدين حجابا إسلاميا فكأنما بالنسبة لهؤلاء المنحرفين والمنجرفين فكريا والمطالبين بطرد الشيخ نبيل نفخ في الصور أو قامت الساعة والأمر كما بينه الشيخ نبيل ذاته لا يعدو أن يكون من باب (لكل مقام مقال) فالمسلمة مهما كان سنها تتزيأ للمسجد أو لتلاوة القرآن بما يليق بمقام المكان أي بالحشمة ولو كانت مؤقتة فنفس هذه البنية لو أخذها والداها لشاطئ البحر للبست لباس السباحة وإذا دخلت المدرسة للبست (طابلية الدرس) فما العيب أن تضع على رأسها حجابا محترما وهي تستقبل داعية مسلما بحجاب محتشم! ثم إن القول بأن هذا السلوك مستورد علينا فهو إدعاء جهول لأن جيل أمهاتنا وجداتنا لم يكن يظهر في المجتمع حتى بحجاب ثم تنكر نصف القرن الماضي لهوية البلاد واستحدث ممارسات غريبة عن تونس ألحقتنا بالغرب في قشوره لا في جذوره واليوم يعود المجتمع تدريجيا إلى سابق أصالته وعريق تقاليده ولا تمس هذه العودة من حرية من يشاء التمادي في التغريب فالمستورد ليس هذا السلوك المحتشم الأصيل بل المستورد هو هذا الفكر المستلب الدخيل. ولا أجد أبلغ في هذا الشأن من كلام منشور على الفايسبوك بتوقيع (منعم) أستسمحه في نقل تعليقه يقول: حين أرى نحيب النخبة العلمانية واسمع ضجيجها الثقافوي لمجرد ارتداء بعض الأطفال لباسا احتفاليا انسجاما مع المقام والمناسبة أدرك أن وراء هذا النحيب والضجيج قلبا يدمي واقف على قوله تعالى (قد بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) وأدرك حينها أن علمانيتهم قفزت من مربع إبعاد الدين عن شان الحكم وتنظيم الحياة العامة والخاصة لمنتسبيه إلى مربع آخر يستعد إلى خوض معركة وجود معه معركة الكل ضد الكل حينها فقط أعلم أنني أمام فوبيا الإسلام في أسوأ تجلياتها وأكاد اجزم أنني أمام حفريات ثقافية تحاول إنتاج مدن خلناها اندثرت وطواها النسيان أبطالها قاتلوا طواحين الريح حتى كل زندهم فتسعفني ذاكرتي بصور لينين وترتسكى وستالين وأنور خوجه الذين قادوا محاكم التفتيش وآذوا هذه الأمة وصادروا تقدمها إلا أنني قد أجد بقايا احترام لهؤلاء الأموات لأنهم امتلكوا شجاعة أيديولوجية برروا من خلالها بشاعة أفعالهم فكان مافعلوه ضرورة تاريخية بها برر ماركس احتلال الجزائر وبها خدر أسلافهم ضمائرهم حين شاهدوا حمامات الدم المتكررة في العالم. ولكنني في الوقت نفسه أزدرى هؤلاء الخلف الذين جبنوا وفقدوا شجاعة الخصم الشريف وتقاصرت همتهم فاختبأوا وراء الجدر الثقافية حينا ووراء القيم الكونية حينا آخر وهم فيه سواء بشقيهم الليبرالي واليساري وأن كانوا يختلفون في الدرجة والأسلوب فأقف من جديد على قوله تعالى (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ) هذه الجدر الكونية الواهية.