15 سبتمبر 2025

تسجيل

الاستحواذات الخليجية والمستقبل

06 فبراير 2011

شهدت سنوات العقد الماضي قفزة كبيرة في حجم الاستحواذات الخليجية في العديد من بلدان العالم، وبالأخص في بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بحيث نفذت خلال الفترة بين عامي 2000-2010 أكثر من 250 عملية استحواذ بقيمة 40 مليار دولار تقريبا. لم تقتصر هذه الاستحواذات على الصناديق السيادية، وإنما شملت مؤسسات وبنوكا استثمارية في كافة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أعلن عن بعض هذه الاستحواذات في حين فضلت مؤسسات خليجية أخرى البقاء بعيدا عن وسائل الإعلام. ورغم أهمية هذه الاستثمارات الخليجية للأسواق الأوروبية والأمريكية والآسيوية، إلا أنه لم يتم الترحيب بها في كافة الأوقات، حيث تعاملت معها بعض البلدان بحذر شديد، بل وتمت أعاقت تنفيذ بعض الصفقات، كما أن وسائل الإعلام البريطانية أطلقت صرخة مفادها أن الخليجيين يستحوذون على درر التاج البريطاني، في إشارة إلى الاستحواذ على بعض الشركات البريطانية العريقة والمهمة للاقتصاد البريطاني، إلا أن الحقيقة التي يعرفها قطاع الأعمال، هي أن هذه الاستحواذات تمت بصفقات مغرية ومربحة جدا للبائعين، كما أنها تشكل فرصة جيدة على المدى البعيد للمشترين. وفي الوقت نفسه، فإن هذه الاستحواذات الهائلة والتي دعمتها عائدات النفط الكبيرة والتسهيلات التمويلية السخية قبل الأزمة، لم تكن جميعها موفقة، بل إن بعضها شكل عبئا ثقيلا، وبالأخص بعد الخسائر الكبيرة للقطاع المالي والمصرفي والعقاري في الغرب، والذي شكل احد أدوات الاستحواذ الرئيسة للاستثمارات الخليجية. وبما أن أسعار النفط عاودت الارتفاع من جديد لتقترب في الوقت الحالي من 100 دولار للبرميل، فانه يتوقع أن تطفو على السطح من جديد ظاهرة الاستحواذات الخليجية، مدفوعة بتوافر الأموال وبالفرص المثالية بسبب تدني أسعار الأصول في بلدان العالم والناجم عن تداعيات الأزمة المالية العالمية. لذلك، فإن تقييم عمليات الاستحواذ السابقة يكتسي أهمية بالغة لمثل هذه التوجهات في المستقبلية، وذلك لتعظيم المكاسب والتقليل من الخسائر الكبيرة التي رافقت بعض عمليات الاستحواذ التي تمت في سنوات العقد الماضي، خصوصا أن الأزمة أفرزت العديد من الحقائق الخاصة بطبيعة الأوضاع التشريعية والأنظمة والقوانين المحيطة بعمليات الاستحواذ. يبدو على سبيل المثال أن المستثمر الخليجي يركز على الجوانب المالية، في حين تشكل القضايا القانونية جوانب ذات أهمية كبيرة، فالالتزامات التي تترتب على الجانب الخليجي في حالات عديدة في فترة ما بعد الاستحواذ قد تكلفه خسائر جسيمة، وبالأخص في حالة عدم استحواذه على أصول هذه المؤسسات، بصورة كاملة، وإنما الاكتفاء بالحصول على نسبة الأغلبية. وضمن السلبيات، تأتي أيضاً المسألة الإدارية، إذ رغم تحول الملكية إلى المستثمر الخليجي، إلا أنه لا يلتفت للجوانب الإدارية والتشغيلية والتي لا بد من إعادة تقييمها لضمان حسن الإدارة وتفادي تضارب المصالح مع المالك السابق. وفي جانب آخر حدثت بعض الاستحواذات بمبالغ أعلى بكثير من القيمة الحقيقية لأصول المؤسسات المستحوذ عليها، وذلك إما بسبب الدور الذي لعبه الوسطاء والذين حققوا مكاسب خيالية، وإما بسبب التنافس بين المؤسسات الخليجية فيما بينها والذي أججه الوسطاء للحصول على اكبر نسبة من العمولات من الأطراف المتعاقدة. وإذا ما افترضنا صحة التوقعات الخاصة بزيادة الاستحواذات الخليجية في الأسواق العالمية في السنوات القادمة، بسبب توافر الظروف التي اشرنا إليها، فإن ذلك يتطلب أيضاً ضرورة وجود مؤهلات خليجية إلى جانب الأجنبية في اختيار وتقييم وإدارة المؤسسات المستحوذ عليها، حيث تعتبر التجربة الكويتية رائدة في هذا المجال. لقد أصبحت عائدات الاستثمارات الخارجية، بما فيها عائدات الشركات المستحوذ عليها تشكل نسبة كبيرة من إجمالي العائدات العامة في معظم دول المجلس، مما يشير إلى ضرورة زيادة الأهمية بعمليات الاستحواذ في المستقبل، مع الاستفادة من التجربة السابقة ومن الإفرازات التي ترتبت على الأزمة المالية العالمية والتي قللت من الجاذبية الاستثمارية لبعض الأسواق العالمية وزادت من أهمية أسواق أخرى، بما فيها الأسواق الناشئة التي تقود في الوقت الحاضر عملية انتعاش الاقتصادي العالمي.