10 أكتوبر 2025
تسجيلنحن أمة عريقة لها أمجادها وتتلمذ عليها الغرب في العلوم والتسامح الديني والطب والفلك والجغرافيا وفلسفة التاريخ لماذا لا نستلهم من الزعيمين المصلحين أردوغان ومهاتير محمد في التعامل مع الغرب على أساس الندية ؟ كل هيمنة غربية على أمتنا بدأت بالاقتصاد وانطلقت من مديونيتنا منذ احتلال الجزائر سنة 1830 بدأ المركب الأوروبي يترنح منذ اندلعت أزمة انهيار الاقتصاد اليوناني منذ عقد ونيف حين أعلن رئيس حكومة أثينا الأسبق (بابندريو) وعزز موقفه من جاء بعده من رؤساء الحكومات بأن بلاده لم تعد قادرة على تسديد الديون المتخلدة بذمتها وشرع يهدد الدول الأوروبية والمؤسسات الدولية المقرضة بأنه في حالة عدم الاتفاق معه حول محو وتمديد أجال التسديد وموافقة البنك المركزي الأوروبي على ضخ مائة مليار يورو في البنوك اليونانية فاليونان إذا ما تخلت عنها دول الاتحاد الغنية حسب تقديره فهي لم تعد ترغب في عضوية منطقة اليورو العملة الأوروبية المشتركة ولعلها تفكر أيضا في مغادرة الاتحاد الأوروبي كما فعلت بريطانيا وستسمى هذه العملية (يوناكسيت) واهتزت أوروبا للحالة المأساوية التي بلغتها الخزانة اليونانية كما تزلزلت الأرض من تحت أقدام البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وخافت دول الاتحاد الأوروبي من حدوث القارعة الكبرى المتمثلة في تصدع جدار البناء الأوروبي المشترك بعد جهود سبعين عاما من تأسيس هذه الوحدة الإقليمية الجغرافية والدينية الناجحة على أيدي وزير الاقتصاد الفرنسي في الخمسينات (جون مونيه)، لأن خروج اليونان منه يعني انفراط عقد تأسس أصلا على التكامل الاقتصادي وخسارة لأوروبا استراتيجية وسياسية. ذلك أن اليونان تشكل بموقعها الجغرافي آخر سد ضد مصائب الشرق وعواصفه الهوجاء القريبة فهي دولة تقع على حدود تركيا من غربها (التي تجاورها العراق وسوريا وفلسطين و ايران) وتحدها من شمالها دول ألبانيا وبلغاريا وكوسوفو (كل مناطق الهزات العنيفة في البلقان) مما يعني التصاقها التاريخي والحميم بمنطقتي أزمات راهنة وقادمة. فاليونان ليست هينة من حيث الرموز التاريخية والثقافية، لأنها تعتبر أم الديمقراطية منذ عهد أفلاطون وأرسطو وتعتبر أم القارة الأوروبية لأن اسم أوروبا هو في الأصل اسم ألهة إغريقية قديمة ثم إن سابقة انسلاخ دولة أوروبية عن الجسم الأوروبي ستفتح الباب على مصراعيه لتفكك تلك المنظومة التي تعتبر نفسها مثلا في الصمود أمام العواصف العالمية وتشكل تدريجيا قوة اقتصادية وعسكرية ونقدية (بفضل عملتها المتينة) يمكن هذه الدول التي كانت منفردة بل ومتحاربة من أن تتحول حين تتحد إلى عملاق بين العمالقة يقرأ لها الآخرون حسابا في توزيع غنائم العالم. وجاءت هذه الأزمة اليونانية في مناخ يسوده فقدان الثقة الذاتية في مستقبل الغرب الليبرالي نفسه، لأن الشك دب في الحليف الغربي الكبير الولايات المتحدة، حيث تأكدت ألمانيا وفرنسا أن جواسيس أمريكان ارتكبوا جريمة التنصت على الحلفاء الأوروبيين من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكي (في عهدي بوش الابن وأوباما) فازداد الصف الأوروبي تصدعا كما ازداد حرصا على الاستقلال عن العراب الأمريكي ذي الآذان الطويلة. ومن جهة أخرى فالدول الأوروبية جميعا (باستثناء ألمانيا) معرضة لنفس إفلاس اليونان. فقد أعلنت فرنسا أن ديونها الخارجية بلغت 2089 مليار يورو بعد أن قفزت هذه الديون للدول الأوروبية بمبلغ 220 مليار يورو منذ عهد الرئيس فرنسوا هولند إلى عهد إيمانويل ماكرون …! هذه المفارقة تدفع الدول الأوروبية إلى الاعتدال والتريث إزاء الأزمة اليونانية التي أصبحت أوروبية، أضف إلى هذا التضامن القسري المفروض خلفية نفسية قاسية تنبش في ماضي القارة الأوروبية، حيث أشار رئيس الحكومة اليوناني الشاب (ألكسيس تسيبراس) عديد المرات إلى الأضرار التي لحقت بلاده في الحرب العالمية الثانية حين دمرت ألمانيا النازية سنة 1941 أغلب مؤسسات البنية التحتية اليونانية ونهبت متاحفها وبنوكها وبالطبع فإن سيبراس يلمح إلى حق اليونان في المطالبة الشرعية بالتعويضات مثلما عوضت الحكومات الألمانية المتعاقبة لليهود بعد المذابح النازية وهو يقول إن اليونان تطوي هذه الصفحات السوداء مقابل طي صفحة الديون اليونانية! إنها سياسة ذكية انتهجها هذا الزعيم المتمرد وفاز بفضلها برئاسة الحكومة وبعض الإعلاميين والسياسيين في أوروبا لقبوه بشي غيفارا أو بهيجو شافيز بسبب صموده في وجه ما يسمى بالنظام العالمي الليبرالي المتوحش كما يطلق عليه سيبراس نفسه. إننا أمام أخطار حقيقية وشاملة كبرى بعد تفاقم مصائب العجز اليوناني وقبله الإسباني والإيطالي عن تسديد الديون والحفاظ على توازن المالية العامة. ثم إن القارعة الاقتصادية والمالية والسياسية بعد الأزمة اليونانية الأوروبية هي استفحال الحركة الانفصالية في إسبانيا وهي لن تقتصر على أوروبا بأسرها بل يتوقع الخبراء أن تكون لها آثار خطيرة وعميقة وبعيدة المدى على العالم كله أكثر من أزمة الانهيار المصرفي التي هزت العالم منذ سنة 2008 واعتقد الناس أننا تجاوزناها بسلام. فنحن نواجه اتحاداً أوروبياً كنا نعده الدرع الواقي من تغول العملاق الأمريكي والعملاقين الروسي والصيني فإذا بهذا الدرع الواقي ينهار من أساسه أي من قاعدته اليونان التي تحميه من تسونامي يهز العالم ويتمثل في انتشار العنف السياسي وعودة أشباح الحروب الأهلية والإقليمية وتفاقم الهجرات المليونية من الجنوب والشرق الأوسط التي تنذر بحرب كونية ثالثة قادمة ولا أخفيكم أنني حين أثير هذا الملف فإنني أفكر في مستقبلنا العربي في مهب هذه العواصف العاتية، لأن الدول تخطط حتى وهي بعيدة عن عين الإعصار أما نحن العرب فبصراحة لم أسمع عن أي اجتماع لوزراء المالية والطاقة والاقتصاد من المحيط إلى الخليج كأننا لسنا معنيين بهذه التحولات العميقة التي تطرأ على العالم من حولنا وتغير الخرائط كما تحرك الضمائر فالعرب عرف عنهم هنا في الغرب أنهم لا ينسقون بل لا يتوقعون ولا يستشرفون المستقبل البعيد وسيظلون إلى ما شاء الله ضحايا كل هزة إقليمية أو دولية يتحملون آثارها السيئة وهم مثل أعجاز النخل الخاوية كما أثبت التاريخ مع الأسف المرير !. فلتبادر الدول العربية ضمن ما يسمى جامعة الدول العربية أو خارجها إلى تقييم الوضع الدولي لأننا مع الأسف أو من حسن الحظ مرتبطون جدليا وواقعيا بالاقتصاد الأوروبي توريدا وتصديرا فكل هيمنة غربية على أمتنا بدأت بالاقتصاد وانطلقت من مديونيتنا منذ احتلال الجزائر سنة 1830 إلى احتلال تونس سنة1881 ثم الانتشار الاستخرابي في كل أوطان الأمة تحت شعار عجزنا عن تسديد ديوننا وبحجة تمديننا كأننا قبائل الماو ماو في حين أننا أمة عريقة لها أمجادها وهي التي تتلمذ عليها الغرب في العلوم والتسامح الديني والطب والفلك والجغرافيا وفلسفة التاريخ ! بل لماذا لا نستلهم من الزعيمين المصلحين أردوغان ومهاتير محمد لنحاول التعامل مع الغرب على أساس الندية وباعتبارنا شركاء في صناعة المستقبل؟ فاعتبروا يا أولي الألباب وتذكروا "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". صدق الله العظيم. [email protected]