11 سبتمبر 2025

تسجيل

الانتحار الذاتي للإخوان المسلمين (8)

06 يناير 2016

وقعت قيادات جماعة الإخوان المسلمين في نفس المطب الذي وقعت فيه الأنظمة العربية الحاكمة والقوى والتيارات والأحزاب على الساحة، فقد كانت تعتبر نفسها البديل الأمثل عن هذه القوى والأحزاب والنظم، وأنها تملك بديلا جاهزا شعاره "الإسلام هو الحل"، ومع أن هذا الشعار يدغدغ مشاعر الغالبية في عالمنا العربي، إلا أنه تعرض لهزات عنيفة عندما وضع اختبارا حقيقيا، فهذا الشعار مغر وجذاب وقادر على اكتساب العاطفة والوجدان لارتباطه بالإيمان والتاريخ الإسلامي المجيد والسيرة العطرة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو شعار مكن الإخوان المسلمين من التقدم درجات في مع المنافسين على الساحة السياسية في مصر والعالم العربي، فهو مرتبط بالحالة الروحية للناس من جهة، وهي مسألة يصعب اختراقها، لكنها مرتبطة أيضاً بالمساعدات التي كان يقدمها الإخوان، خاصة "الحقائب الرمضانية" والإغاثة الدائمة والمستمرة للفئات المسحوقة والفقيرة والمعدمة، فقد جعلت هذه المساعدات والحقائب وهذا العطف الذي كانت تفتقر إليه الجماهير والناس، أفرادا وجماعات، ترجمة ممتازة وعملية لشعار "الإسلام هو الحل"، فالنظام الحاكم هو الذي يقود ويصنع السياسات التي تفقر الناس وتقهرهم، والإخوان المسلمون هم "المنقذ" وهم "الكائن العطوف" الذي يقدم حلولا، ولو في حدها الأدنى، في مواجهة هذا الغول الحاكم الفاسد المستبد الذي حول غالبية الشعب إلى طبقة محرومة في مواجهة قلة غنية متمكنة.استفاد الإخوان المسلمون من هذه الحالة المتردية للسياسات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية، ما مكنهم من التمدد في المجتمع، لأنهم البديل الأمثل للوضع القائم، فهم لو يستلموا الحكم ولم يتلوثوا بالفساد والرشوة، وكانت غالبية قيادات الجماعة تقدم نموذجا على نظافة اليد، وعدم التورط في الفساد الذي يجتاح المجتمع، وهم كانوا كذلك فعلا، ثم إن صورة الضحية الدائمة كانت تخدمهم بشكل كبير ودائم، فالقيادي أو الناشط الإخواني، يخرج من السجن ليدخل إليه مرة أخرى، دون ارتكاب أي جريمة، إلا صدوعهم بقول كلمة الحق، وهي كلمة كانت تكلفهم الكثير من الثمن من أعمارهم وأرزاقهم، وكان الناس يرون في أعضاء الإخوان المسلمين أبطالا في مواجهة النظام الحاكم.الحقيقة أن الإخوان المسلمين لم يكونوا وحدهم في مواجهة النظام الحاكم المستبد، أو الأنظمة الفاسدة، فقد كانت هناك نماذج من أفراد يساريين، قدموا كما قدم الإخوان المسلمون، فقد كانت سجون عبد الناصر تغص بالشيوعيين إلى جانب الإخوان المسلمين، وقد أتاحت "أخوة السجن للطرفين" إجراء الكثير من الحوارات والنقاشات أسهمت بإنتاج ما يسمى بـ"أدب السجون"، إلا أن هذه القوى اليسارية كانت "نخبوية" ولم تكن قادرة على اختراق الشارع، لأنها تبنت ثقافة غريبة على المجتمع العربي المسلم، بينما كان الإخوان المسلمون يعومون في بحر من التعاطف الجماهيري الشعبي، والتاريخ المجيد الممتد منذ بدء الرسالة الإسلامية، وتبنوا خطابا تعدديا متشعبا بسيطا ترجم في وصف جماعة الإخوان المسلمين كما عرفها مؤسسها الشهيد حسن البنا، كما ذكر في رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان "إسلام الإخوان المسلمين": "أن الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف"، وأن فكرة الإخوان المسلمين تأتي نتيجة الفهم العام الشامل للإسلام، فهي "دعوة سلفية، وطريقة سُنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية"، وهو تعريف يجعل من الجماعة "حالة في كل حالة"، وجزءا من كل تفصيلة في المجتمع، باختصار أنها "دولة" أو بالأحرى "الدولة" بكل تفاصيلها.