17 سبتمبر 2025
تسجيلتحقق بعض دول مجلس التعاون الخليجي المزيد من التقدم الهادف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على العائدات النفطية، سواء في تمويل الموازنات السنوية أو برامج التنمية والتي ما زالت تعتمد بصورة كبيرة على عائدات النفط. وتشكل تجربة دبي في هذا الصدد نموذجا لكيفية تسخير عائدات النفط لتطوير القطاعات غير النفطية لإيجاد مصادر بديلة لتمويل الموازنة السنوية، ففي عقدي الثمانينيات والتسعينيات بلغ إنتاج النفط في دبي أوجه ليبلغ 450 ألف برميل يوميا، إلا أن الاحتياطيات المكتشفة كانت محدودة، مما يعني أن عمر النفط في الإمارة قصير جدا، إذا ما قورن بالفترة الزمنية ما بين الاكتشاف ووصل الإنتاج إلى ذروته. من هنا انصب التفكير لدى متخذ القرار على ضرورة الإسراع في استخدام العائدات النفطية بصورة فعالة لتنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية، حيث نجحت دبي في هذا الصدد نجاحا اكتسى طابعا عالميا وأضحى نموذجا للبلدان النامية المنتجة للنفط. وبعد أن كانت حصة النفط تمول ميزانية الإمارة بنسبة كبيرة تتراوح ما بين 70-80% في بداية التسعينيات، كما شكل النفط النسبة العظمى من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الصورة مع نهاية العقد الأول من القرن الحالي تغيرت تماما، إذ أصبح تمويل الموازنة السنوية يعتمد على موارد غير نفطية تتحقق من خلال الدخل الناجم عن قطاعات رئيسية لاقتصاد الإمارة، كالتجارة والخدمات المالية والسياحة والنقل، وبالأخص طيران الإمارات، حيث يساهم قطاع السياحة والنقل بنسبة %30 من الناتج المحلي، في حين يساهم ميناء جبل علي ومنطقته الحرة بنسبة %20. أما مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي، فقد تدنت إلى نسبة ضئيلة لا تتعدى 5% من قيمة الناتج المحلي لدبي، في الوقت الذي ارتفعت فيه مستويات المعيشة للمواطنين والمقيمين، بما في ذلك ارتفاع كبير في الرواتب والأجور وتحسن البنية التحتية والخدمات التي تتمتع بمواصفات عالمية. وإذا ما أضيف إلى ذلك التنوع الذي حققته الإمارات الأخرى، وبالأخص أبوظبي الغنية بالنفط والشارقة، فإن هذا التنوع أسهم في إحداث تغيرات مهمة في الاقتصاد الإماراتي ككل، وذلك باتجاه زيادة القيمة المضافة للقطاعات غير النفطية. ومؤخرا أعلنت دولة قطر عن توجه إستراتيجي مماثل ومهم للمستقبل الاقتصادي لقطر التي تتمتع بغزارة إنتاجها من الغاز الطبيعي، حيث تم وضع تصور مستقبلي يرمي إلى إصدار موازنة سنوية دون الاعتماد على النفط في قطر بحلول عام 2022، وهو عام إقامة المونديال في الدوحة والذي خصصت له استثمارات هائلة تتراوح ما بين 80 -100 مليار دولار، مما سيساهم في خدمة هذا التوجه القطري الجريء والذي يعني الاستقرار الاقتصادي والسياسي والمحافظة على مستويات معيشية مرتفعة دون الاعتماد على الثروة النفطية الناضبة. ومن القراءة المتأنية للتوجهات التنموية القطرية الحالية، فإنه يمكن القول إن قطر تملك القدرة والإمكانات للوصول لهذا الهدف في الوقت المحدد أو إنجاز قسط كبير منه على أقل تقدير، إلا أن المهم أن هناك توجها جادا لتحقيق ذلك، حيث تمكن الاستفادة من التجربة الإماراتية في هذا التوجه الإستراتيجي والذي يتناسب مع التغيرات الهائلة في صناعة الطاقة العالمية وتطوير مصادر الطاقة البديلة من جهة والتغيرات الاقتصادية العالمية المتسارعة من جهة أخرى. وضمن البوادر التي تدعو للتفاؤل بإمكانية تحقيق ذلك أيضاً هو معدل النمو السنوي المرتفع الذي يحققه الاقتصاد القطري سنويا والذي يعد واحدا من أعلى معدلات النمو في العالم، هذا عدا النمو المتسارع للعديد من القطاعات غير النفطية، خصوصا الصناعات التحويلية والخدمات المالية والنقل والسياحة. وفيما عدا تجربة الإمارات ومساعي قطر، فإن بقية دول المجلس تملك توجها مماثلا، إلا أنها لم تضع حتى الآن تصورا شاملا لكيفية تحقيق ذلك، علما بأنها تملك فرصا جيدة لتحقيق التقدم المنشود وإزالة العراقيل المعيقة والتي تختلف من دولة إلى أخرى والتي يصعب التطرق لها في هذا التحليل الموجز. والحقيقة أن هناك عوامل مساعدة ومهمة للغاية تتيح لكافة دول المجلس تنويع اقتصاداتها في السنوات القادمة والتي يأتي في مقدمتها التكامل الاقتصادي في نطاق مجلس التعاون والسوق الخليجية المشتركة والتي تعتبر كبيرة نسبيا وتفسح المجال أمام تنمية العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية، وبالأخص للأسواق الصغيرة،. وإذا ما تحقق ذلك خلال العقد الحالي، فإن التوقعات التي تشير إلى تحول الاقتصاد الخليجي الموحد إلى أحد أكبر ستة اقتصادات في العالم في عام 2025 له ما يبرره من الناحية العملية والموضوعية، خصوصا وأن دول المجلس تملك كافة عوامل نجاح هذا التوجه الإستراتيجي، ذي الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المؤثرة.