27 أكتوبر 2025

تسجيل

حفلة تنكرية

06 يناير 2011

أعلن أحد فنادق الدوحة ضمن احتفالاته برأس السنة الميلادية الجديدة 2011 بأنه ينوي إقامة "حفلة تنكرية" ولا أعلم إذا ما كانت الحفلة قد أقيمت فعلاً أم لا، ولكن ما أعرفه هو أن الفندق قد أعلن عن ذلك ربما ليفاجئ ويبهر زبائنه ومرتاديه أو ربما ليبحث عن التميّز ضمن من يبحثون عن التميّز في هذه الاحتفالات التي أصبحت تنهمر على المسلمين من كل حدب وصوب حتى أصبح البعض يحتفل بها في الخفاء.. حيث تدار الكؤوس وتتعالى ضحكات الرجال والنساء بكل وقاحة. الحديث عن إقامة حفلة تنكرية لا يبدو في شكله أمراً مستغرباً عندما تضيع القيم والأخلاق وإنما يبدو في مضمونه ضياعاً للهوية العربية والإسلامية لدى البعض ممن ارتموا في أحضان الحضارة الغربية الزائفة التي تزدان بالتقدم والرقي وتخفي وراءها الفساد الأخلاقي والانحلال الخلقي الذي يبتكر في إحداث تقليعات وأساليب جديدة في الترويج للمجون والفساد بشتى الطرق والوسائل. إن الحفلة التنكرية لا تبدو في مساوئها بأكثر من حفلة أراد بها أصحابها أن يجربوا " جحر ضب " آخر من تلك الجحور التي أصبحنا نلجها بكثرة ونحن ننظر إلى الغرب على أنه قدوة صالحة ومثال يحتذى في حين أننا في غنى عن تلك النماذج التي استمدت نهضتها من نهضة العرب والمسلمين عندما كانوا يطبقون الإسلام قولاً وعملاً فأخذوا بأسباب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، فاستلهموا – أي الغرب - منا طرائق النجاح وأخذوا بماديات وأسس التقدم حتى اعتلوا قمة التفوق في كل شيء ولكنهم نسوا أن روحهم خاوية من الإيمان وقلوبهم فارغة من اليقين بالله، فأصبحت إخفاقاتهم تفوق نجاحاتهم حتى أصابتهم المشكلات الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية.. المعيب في أمر هذه الحفلة وما سواها من التقليعات والتشبهات بالغرب أن هناك حالة استسلام واضح للغرب بما يفعله في كل شؤون حياته، حتى أن كل "سخافات" الغرب أصبحت لدى بعض المنسلخين من جذورهم بمثابة "مرجعية" لا يزيدون عليها ولا ينقصون، بل إنهم قد يزيدون عليها بكرمهم العربي المتجذر في أعماقهم حتى أصبحنا نحتضن أكبر شجرة كريسماس في العالم بل وأغلى شجرة كريسماس كذلك، بل وأكبر صليب في العالم.. وهكذا دواليك.. أي أننا قلّدناهم في مفاهيمهم الخاطئة ومعتقداتهم الباطلة بل وأثبتنا لهم أننا نستطيع أن نتغلب عليهم في هذا التخلف وتلك الرجعية.. إن الواقع يصدمنا بنماذج وأمثلة صارخة في الفساد الأخلاقي والانحلال الخلقي فما يرتكبه بعض العرب والمسلمون في عصرنا الحالي من فضائح أخلاقية في السر والخفاء يفوق بكثير ما يفعله الغرب من عهر ومجون في العلن، ذلك لأن البعض يظن واهماً بأنه يستطيع أن يفعل ما هو أكثر من ذلك بكثير، فيستطيع بماله أن يجلب أجمل الفتيات والراقصات وأن يجلب كذلك الخمور والمخدرات دون أن يعرف عنه المجتمع أو الناس سوءاً، وهو بذلك قد نجح في عزل دائرته الخاصة أو السرية عن الأعين ولكنه لم ولن يستطع أن يتوارى عن نظر الخالق الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو وإن استطاع أن يحجب أعين الناس عن أسراره وإن استطاع أن يكمم أفواه المحيطين به بتلك الخفايا والرزايا فإنه لا يستطيع أن يخفيها إلى الأبد أو أن يمنع يده ورجله وسائر أعضائه من الشهادة وقول الحقيقة في الآخرة.. لقد أخطأ ذلك الفندق في إقامة تلك الحفلة التنكرية أو حتى الدعوة إليها، لأنه لو علم بأن هناك من الناس من يرتكبون أنواع المنكرات وألوان الفضائح في "عوالمهم الخاصة" لربما تحوّلت فكرته تلك إلى فكرة قديمة بل وتقليدية إذا ما قورنت بما يفعله بعض العرب والمسلمين – للأسف – من فضائح أخلاقية في السر والخفاء، ولو علم ذلك الفندق بأن تميّزه ذلك في استحداث وابتكار طرق اللهو والفساد لن تزيد من نجاحاته ومكاسبه المادية إلا المزيد من الخسائر المادية لاحقاً لما أقدم عليها.. عندما يحل غضب الله فلا ينفع الندم، حيث يتوهم هؤلاء كما توهّم الذين من قبلهم من خطوط الطيران وغيرها بأنه سيحتل تصنيفاً أعلى وسيحظى بمزيد من الزبائن وتحديداً من أولي البشرة البيضاء عندما سمحت تلك الخطوط بالمشروبات الكحولية على متنها، حتى أنهم فاقوا الخطوط الغربية في تقديمهم لشتى صنوف الخمور ما كانوا ليحلموا بها مدفوعة فكيف بهم يجدونها "مجانية"، حتى حلّت عليهم المشكلات من كل حدب وصوب فابتلوا بحالات سكر وشغب لبعض الركاب ممن اضطروهم لتأجيل أو تغيير مسار رحلاتهم الأمر الذين ألحق بهم خسائر بالملايين.. حتى أن بعض خطوط الطيران في أوروبا وأمريكا منعت الخمور تفادياً لتلك المشكلات، ولكننا لا نزال نضاهيهم في التقليد والتشبه ونعتبر ذلك من مظاهر التقدم والتحضر. إننا لا نحتاج إلى حفلة تنكرية.. لأننا وببساطة نعيش حياة تنكرية عن واقعنا المأساوي الذي تسيطر فيه إسرائيل والغرب على مقدساتنا ويغزون أسواقنا ويغسلون عقول شبابنا وفتياتنا بكل مظاهر الحضارة الزائفة ويشغلوننا عن البحث عن ذاتنا الحقيقية الكامنة في العودة للإسلام وأمجاده وما كانت عليه حال الأمة عندما نهضت من سباتها وانطلقت إلى الدنيا تقود الحضارات وتدعو الناس إلى ربهم والإيمان به.. فحازت النجاحات والفتوحات في الدين والدنيا.. فهل عسانا نعود إلى ما كنّا عليه.. وهل عسانا نزيل القناع.. في هذه الحفلة التنكرية!!