12 سبتمبر 2025
تسجيلالاقتداء بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ليس أمرا مستحيلا، وهو الأصل الذي يجب أن نضعه دائما نصب أعيننا ونسعى إليه، وأول أصول هذا الاتباع قبل كل شيء يكون بحذو هذا المثال الذي رسمه الله لنا بأوامره وتعليماته وتوجيهاته، أي بإحياء سنته، وكما أن الله لم يرسل الكتاب وحده، ولكن أرسل معه النبي ليطبقه بشكل عملي فإن النبي لم ينقل كتاب الله فحسب، بل علّم الحكمة أيضا لمن يستطيع أن يفسرها. وإذا لم تكن هناك حكمة فإن كلام الله سيفسر دون معرفة سياقه وخلفياته، وقد يؤدي ذلك إلى تأويلات خاطئة ويتحول النص إلى سلاح رهيب في أيدي الجهلة. كان أول مثال بارز على ذلك ما قام به الخوارج ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما أن السنوات التالية من التاريخ الإسلامي كانت مليئة بالمشكلات التي خلقتها التأويلات الخاطئة للقرآن والسنة النبوية، وكانت هناك بالطبع تفسيرات دقيقة وحكيمة نقلت إلينا تلك السيرة العطرة. إن فهم النبي وفهم الرسالة التي حملها ليسا مهمة يمكن القيام بها مرة واحدة وإلى الأبد، يجب أن يكون هذا الجهد متواصلا مدى الحياة في كل المناسبات وعلى جميع المستويات وخلال كل الأحداث، وفي خضم كل التجارب. يجب أن نعلم أن النبي هو الشخص الوحيد من بين جميع الناس الذي يمكن اتباعه من جميع الجوانب، والاقتداء بكل حركة وسلوك وإيماءة قام بها. جاء في القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزة غير القرآن، لكن شخصيته المباركة وحالته الإنسانية الفريدة جعلتا منه معجزة بحد ذاته، كان النبي يتجول في الأسواق ويبيع ويشتري ويأكل ويشرب مثلنا تماما، ويفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويتزوج وينجب الأطفال، ويغضب ويخاصم مثل كل الناس، إنه نموذج مثالي للبشر ومثال يحتذى به، وهو الشخص الوحيد الذي نعلم يقينا أن كل ما قام به يُرضي الخالق. من أجل إعادة إحياء سنته من الضروري معرفة وفهم سيرته بشكل جيد للغاية، وفي الواقع لا تكاد توجد أي شخصية أخرى في التاريخ نُقلت تفاصيل حياتها مثلما نقلت إلينا سيرة حياة النبي، بعض هذه التفاصيل تعامل معها المسلمون دون أدنى تغيير، وبعضها تعاملوا معه بمرونة منذ وقت مبكر، إن دراسة سيرة النبي جهد رائع بحد ذاته، وهو مؤشر مهم على ولاء هذه الأمة لنبيها. ومع ذلك، فإننا إذا قمنا بدراسة السيرة وإعادة فهمها فإننا ندرك أنها ليست جهدا نبذله مرة واحدة وإلى الأبد، كل زمن يحتاج إلى تجديد الفهم وفقا للاحتياجات والإمكانيات الراهنة، وفي هذا الاتجاه يمكننا القول إن هناك دراسات جادة للسيرة النبوية اليوم ذكرنا منها من قبل الدراسة الكرونولوجية للسيرة النبوية من مؤسسة "كورامر" (KURAMER)، وهي دراسة بحجم وجودة مميزين. تتضمن الدراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاده ووحي القرآن الكريم وكل الأحداث التي تشير إليها الآيات والأحاديث مع ترتيبها ترتيبا زمنيا، وفي ظل النقص الكبير في مثل هذه الدراسات من الضروري تهنئة محمد أبايدين على تقديم عمل بهذه الدقة وهذه التفاصيل، وأستطيع أن أقول إنه قد وضع حجر أساس جديدا للعمل الأكاديمي في مجال الشريعة ببلادنا. هذه الأشكال من فهم الشريعة والدين وفهم سيرة حياة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هي ما تحتاجه أمتنا وما تحتاجه الأجيال القادمة فيصبحوا قادرين على فهم دينهم بما تقتضيه متطلبات عصرهم فنساعدهم على فهم واقعهم وتحسينه في ضوء منطلقاتهم الدينية والعقائدية الصحيحة. * أكاديمي وسياسي وكاتب تركي * عن الجزيرة نت