18 سبتمبر 2025

تسجيل

صحوة الشعب والثورة

05 ديسمبر 2013

تابعت المعطيات المحيطة بأول عملية انتخابية صادقة وشفافة ونزيهة في تاريخ المحروسة المعاصر إلا من بعض استثناءات محدودة سواء في فترة الحقبة التي يحلو للبعض أن يطلق عليها الليبرالية أو بعد تفجر ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر. ولاشك أن ثمة ملاحظات جوهرية لدى تجاه هذه العملية بعضها ينطوي على منظور إيجابي فيما يتضمن البعض الآخر منها أبعادا سلبية لدى ثقة في إمكانية تجاوزها في المرحلتين الثانية والثالثة بحول الله تعالى. وفيما يتصل بالجوانب الإيجابية للملاحظات تمكنني الإشارة إلى ما يلي: أولا: إن الشعب المصري شارك في هذه العملية الانتخابية وهي الأولى بعد حوالي عشرة أشهر من انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير بقدر كبير من الوعي والحس الوطني الذي تجلى في هذا الإقبال غير المسبوق في تعاطيه مع انتخابات جرت في زمن مبارك الذي يوصف بأنه من أشد الأزمنة المصرية استبدادا وقهرا للشعب بل إن المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس اللجنة العليا رأى أن هذا الإقبال الذي تجاوز نسبة الـ62 في المائة هو الأول من نوعه منذ العصر الفرعوني. لقد ظل الشعب المصري عازفا عن المشاركة في الانتخابات رغم كثرتها في عهد مبارك لقناعته بأنها لن تتسق مع إرادته ورغبته وأشواقه للحرية ولمن يمثلونه في البرلمان بشقيه: مجلس الشعب ومجلس الشورى فضلا عن المجالس المحلية والتي كانت في أغلبها تخضع لهيمنة الحزب الوطني الحاكم. وجاءت ثورة الخامس والعشرين لتؤسس لمنظور مغاير في التعامل مع العملية الانتخابية ينهض على أن الشعب وحده هو المنوط به تحديد من يمثله أيا كان توجهه من خلال صندوق الاقتراع وفق الضوابط القانونية والإجرائية التي تؤكد حياديته وشفافيته. ثانيا: لأول مرة تشارك جماعة "الإخوان المسلمين" عبر جناحها السياسي – حزب الحرية والعدالة – منذ نشأتها في نهاية حقبة العشرينيات من القرن الفائت في عملية انتخابية بشكل علني وواضح دون اللجوء إما إلى الانضواء تحت عباءة أحزاب وقوى سياسية أخرى مثلما حدث مع حزب العمل والوفد خلال ثمانينيات القرن العشرين أو إلى صفقات سرية مع الحزب الحاكم أو إلى الدخول تحت راية الاستقلال ولكن في أول انتخابات ثورة الخامس والعشرين من يناير شاركوا بفعالية وإن كان ضمن ما يسمى بالتحالف الديمقراطي الذي يضم أحزابا أخرى في صدارتها حزب الكرامة ناصري التوجه وبناء على توافق على القواسم المشتركة التي تنزع إلى تجسيد أهداف الثورة المتمثلة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. في السياق ذاته شارك ما يسمى بالجماعات السلفية في الانتخابات بعد أن كانوا بمنأى عن أي فعاليات سياسية خلال حكم مبارك ربما تقية حتى لا يتعرضوا للاعتقالات والمطاردة مثلما وقع لجماعة "الإخوان المسلمون " وغير ذلك من جماعات الإسلام السياسي والتي كانت تصنف بأنها من أهم خصوم النظام السابق الذي شن عليها حملات تحريضية مما وضعها ضمن في حالة عداء مع الرأي العام. وأظن أن الميزة النسبية لهذه الانتخابات أو بالأحرى المرحلة الأولى منها أنها وضعت التيار الإسلامي بكل تجلياته وفصائله في حجمه الحقيقي والذي يبدو أنه سيتصدر المشهد السياسي المصري في السنوات الأربع القادمة على الأقل وهو ما خلق حالة من الهلع والفزع لدى بعض الأوساط والدوائر أسهمت فيها بشكل مباشر تصريحات البعض ممن ينتمون إلى هذا التيار خاصة الجماعات السلفية التي تقدم في بعض الأحيان خطابا يبعث على الخوف خاصة لدى طائفة من الشعب المصري وبالذات الأقباط فضلا عن سكان المدن والمناطق الراقية فيها والعاملين في قطاع السياحة وبعض القطاعات الاقتصادية الأخرى وهو ما يتطلب من رموز التيار الإسلامي بكل جماعاته أن يعيد النظر في مجمل طروحاته التي تتناقض مع جوهر وحقائق الإسلام على نحو يدفع بالرأي العام المصري إلى الالتفاف حوله وليس الالتفات عنه وأظن أن تجربة كل من حزب النهضة وخطاب رئيسه الشيخ راشد الغنوشي بتونس وحزب التنمية والعدالة ورئيسه عبد الله بن كيران في المغرب تمثل مقاربة تمكن الاستفادة منها فهما بعثا بخطاب مطمئن للشعب في البلدين أكدا فيه حرصهما على الدولة المدنية وبناء منظومة تنموية وسياسية بعيدا عن الجوانب الديكورية والقشرية التي يرفضها الإسلام بالأساس. إن المحروسة في السنوات القادمة ليست في حاجة إلى هذا النوع من الجدل حول طبيعة ما يرتديه أهلها من الجنسين وتطبيق الحدود وعلى كيفية التعامل مع فئات شعبها وإنما يتطلب الأمر بالدرجة الأولى التطلع إلى التوافق حول إعادة العافية لها شعبا ودولة وبالذات على صعيد المواطنة المتساوية لكل بنيها من حيث الحقوق والواجبات وبناء نسق تنموي يكون قادرا على توظيف مقوماتها ومواردها البشرية والطبيعية لبناء اقتصاد وطني قوي يلبي احتياجات كل مواطنيها ويقضي على الفقر والتهميش والعشوائيات ويعطي الأولوية لتعظيم الإنتاج سواء الصناعي أو الزراعي أو الخدمي والذي شهد نوعا من الانهيار في السنوات الأخيرة لصالح حفنة من المستوردين بالإضافة إلى بناء نظام سياسي يقوم على التعددية بما يعنيه ذلك من تداول السلطة بناء على ما تفرزه صناديق الاقتراع وهو ما سوف يقود إلى إعادة الاعتبار إلى الدور المحوري والمركزي لمصر قوميا وإقليميا. ثالثا: شهدت الانتخابات عودة قوية للإشراف القضائي الكامل وهو ما منح عملية الاقتراع توهجها وصبغها بالمصداقية بعد أن أجهض مبارك هذا الإشراف في آخر تعديلات دستورية أجراها قبل أعوام سعيا منه لتهيئة المناخات للتزوير الذي جرى بعنف في انتخابات 2010 ضمن مخطط ممنهج لفرض توريث الحكم لنجله جمال وهو ما أجهضته ثورة يناير بدورها. رابعا: غياب العنف والاستعانة بما يطلق عليه البلطجية وإن كانت قد وقعت بعض مظاهرهما على نحو محدود للغاية وهو ما عكس الحالة الحضارية للشعب المصري عندما يسعى إلى تجسيد إرادته فقد كان ثمة نفر ومراقبون - ومنهم كاتب هذه السطور - يتخوفون من تداعيات أمنية سلبية خلال العملية الانتخابية في ضوء حالة الانفلات الأمني والتي عجزت أجهزة الشرطة عن القضاء عليها لأسباب لم يتوصل إليها أحد حتى الآن غير أن صحوة الشعب فضلا عن التعزيزات الأمنية التي وفرتها القوات المسلحة لقوات الأمن نجحت في تقديم نموذج حضاري لعملية اقتراع بمشاركة شعبية واسعة لأول مرة. أما فيما يتعلق بالجوانب السلبية فهي تمحورت في بعض الأمور اللوجستية من قبيل تأخر فتح لجان الاقتراع في المواعيد المحددة للتصويت بساعات طويلة بلغت في بعض اللجان ثلاث وخمس ساعات وتأخر وصول القضاة المشرفين عليها وتأخر وصول الأوراق الانتخابية وعدم ختم هذه الأوراق والقيام بفرز صناديق الاقتراع في مواقع أخرى غير لجان الاقتراع بالإضافة إلى قلة هذه الصناديق مما حدا إلى إرسال صناديق إضافية وهو ما أدى إلى تأخر عمليات التصويت في بعض اللجان. ومن هذه السلبيات قيام بعض مندوبي المرشحين بالدعاية داخل اللجان الانتخابية فضلا عن شكاوى تقدم بها البعض عن محاولات تدخل من قبل مرشحي حزب الحرية والعدالة والنور السلفي واللافت أن كلا منهما اشتكى من الآخر رغم انتمائهما إلى تيار واحد هو التيار الإسلامي. وقد أقر رئيس اللجنة العليا للانتخابات بمعظم هذه السلبيات والتي سيمكن احتواؤها في المرحلتين الثانية والثالثة خلال ديسمبر الجاري ويناير المقبل. السطر الأخير: كوني حلمي أبدا. عشقي الممتد. سندا للحرية والثورة [email protected]