16 سبتمبر 2025

تسجيل

من سليانة إلى ساحة التحرير وصولا إلى مطار دمشق

05 ديسمبر 2012

هذه محطات ثلاث من رتل قطار الربيع العربي السائر المندفع على السكة يطوي الأرض طيا كما كان يقول الشاعر العربي لكننا يجب أن نقف وقفة تأمل واعتبار من حين إلى حين حتى ندرك أين وصل هذا القطار وإلى أي غاية يسعى؟ وهل هو على الطريق الصحيح أم وقع تحويل وجهته إلى جهات مجهولة؟ وما هي أخطاؤنا؟ نحن جميعا نحب الحكم والمعارضة الذين سرنا وراء الشباب المتمرد المطالب بحقه في الشغل والكرامة والحرية فكنا تابعيه ووراءه ولم نكن نقوده أو أمامه حين هب الناس في سيدي بوزيد تلك المدينة التونسية المهمشة والمحرومة حيث أحرق محمد البوعزيزي شبابه وأمنياته بالبنزين والكبريت ذات يوم 17 ديسمبر 2010 وقتل في القاهرة الشاب المصري خالد سعيد ذات يوم 6 يونيو 2010 بين أيدي أعوان أمن الدولة حيث تحول ذلك الشاب المصري الوسيم الوديع إلى رمز من رموز استهانة الدكتاتورية المصرية وبوليسها بأرواح الناس. وسرى اللهيب إلى طرابلس وبنغازي للقضاء العسير والنهائي على حالة اللادولة وتغول عقيد محدود المدارك وأولاده في ليبيا التي حولوها إلى مزرعة خاصة وإلى كاريكاتور سلطة مجنونة أهدرت ثروات الشعب الليبي الصابر على مدى 42 سنة فكانت (الجماهيرية) مثار استهزاء العقلاء من الليبيين الشرفاء ومثار ضحك الأجانب لأن ليبيا لا تستحق هذه المأساة الملهاة بشعبها الذي ظل فقيرا رغم ثرواته النفطية والبشرية بينما يلعب أولاد القذافي بالسيارات الفخمة في شوارع باريس ولندن وكان أبوهم نجم الخيمة في الخارج ونجم القمم العربية في العالم العربي ونجم مؤتمر الشعب العام واللجان الشعبية والكتاب الأخضر في الداخل.. ثم جاء دور اليمن وأرادت أغلبية من الشعب اليمني أن تضع حدا لصراع أجنحة قبلية يمنية غلبت مصالحها الفئوية على المصلحة العليا للوطن السعيد. ثم كانت الصيحة الكبرى في إدلب ودير الزور وحمص وحماه وريف دمشق معلنة نهاية مرحلة القائد المنقذ والزعيم الأوحد الذي كان أسدا لمدة ثلاثين عاما وخلف شبلا لمدة اثني عشر عاما. ولا صوت يعلو على صوته في نظام مخابراتي بامتياز قد يتعلل بنوع من الأمن والتعايش وخرافة الممانعة التي جعلت الاحتلال الإسرائيلي للجولان ينام على فراش وثير من حرير بحدود آمنة لم تطلق فيها رصاصة يتيمة منذ 1967 لكن هذا النظام الذي يرمي الناس بالبراميل المتفجرة لا يملك أي شرعية شعبية تمكنه من البقاء والخلود بقمع كل صوت حر وتعذيب ممنهج لكل من يرفع الرأس ويأبى الرضوخ. هذه هي خارطة الربيع العربي التي نراها اليوم بعيون مختلفة لأنها تتشكل أمامنا بألوان من العنف وتراكم الأخطاء وانحراف عن غايات الثورات مما يهدد مكاسب الحرية بالتراجع والانتكاس في محيط إقليمي ودولي لا يرتاح للتغييرات ولا يساعد على ما يعتقده إخلالا بالتوازنات الإستراتيجية التقليدية القديمة والقائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على خدمة مصالح الغرب والقوى العظمى وبخاصة الحفاظ على حالة اللاسلم واللاحرب التي ضمنت إلى حد 2010 توغل إسرائيل بعنجهية وخرقها للقانون الدولي دون حساب أو مساءلة. فالذي يجري في ساحة التحرير من رفض لممارسات فرعونية جديدة باسم الشرعية ومن مظاهرات مضادة للرافضين ومؤيدة للرئيس محمد مرسي هي إرهاصات ما بعد الثورة من أجل تصحيحها حتى يفرض الشعب مواقفه ومصالحه ويحمي مصر من أي انقضاض على الثورة تحت ستار الدين في بلاد يتعايش فوق أرضها المباركة المسلم والمسيحي والمثقف العلماني منذ قرون. وفي سليانة التونسية هب المواطنون ليقولوا كلمتهم ويطالبوا بالتشغيل والتنمية والعدالة الاجتماعية مؤكدين أن هذه الأهداف هي التي خرج في سبيل تحقيقها شباب أعزل يوم 17 ديسمبر 2010 وأدت إلى فرار زين العابدين بن علي يوم 14 يناير 2011. وجدت السلطة الجديدة نفسها في مواجهة مع شباب قالت هي ذاتها بأن مطالبه مشروعة لكنها كانت تتمنى لو عبر عنها سكان سليانة دون عنف وبدون إحراق مقرات الأمن والإدارة. وسبق لي الأسبوع الماضي أن علقت على أحداث سليانة على قناة فرنسا 24 فقلت إن فلاسفة اليونان القديمة كانوا يقولون بأنه في حالة تصادم الحق بالباطل فإن ذلك هو المشكلة أما تصادم الحق مع الحق فتلك هي المأساة. وإني أحسب والله أعلم بأن مواطني سليانة على حق حين يستبطأون التنمية وتحسن الأحوال المعيشية بعد تضحيات أبنائهم بحياتهم وبأن السلطة على حق حين تدعو للتريث والتعبير عن المشاغل باحترام القانون وبالطرق السلمية الدستورية. لكننا في تونس لسنا في مأمن من الاختراقات والتجاوزات وتوجيه الرأي العام والتلاعب بعواطف الجماهير وهو ما يهدد بانحراف الثورة عن أهدافها والتخبط دون بوصلة في دوامة الفوضى غير الخلاقة. وفي سوريا وصل الثوار إلى مشارف مطار دمشق وهي المرحلة المعروفة في تاريخ الهزات السياسية بكونها مؤذنة ببلوغ نقطة اللاعودة ونذكر جميعا كيف أخذت الأزمات منعرجا حاسما في مطارات كابل وبيروت وبغداد وطرابلس وتونس والقاهرة وصنعاء لأن المطارات هي الواجهة الدولية لكل العواصم وبوابتها التي تنفتح على الخارج وعلى العالم ومتى تم إغلاق مطار أو السيطرة عليه فإن منعرجا أساسيا انفتح أمام صفحة جديدة من التاريخ. وللتاريخ لو علمتم دورات ومنعرجات لم يدركها مع الأسف بعض حكامنا أمثال ابن علي وحسني مبارك والعقيد القذافي وعلي عبدالله صالح ولا نرى أن بشار يشذ عن غياب الوعي الذي يصيب بعض القادة بالفتنة والغرور والجنوح للانفراد والطغيان في لحظات غفلة قاتلة ولله الأمر من قبل ومن بعد.