17 سبتمبر 2025
تسجيللا يزال الرئيس رجب طيب أردوغان يقود بلاده نحو المزيد من الرفعة والتميز والتوفيق في إقليم شرق أوسطي معقد تتقاذفه التجاذبات الطائفية وتهدده المطامع الإسرائيلية الخارجة على القانون الدولي، وفي عالم يتأكد فيه يوميا أن المسلمين مستهدفون من قبل قوى معادية وعنصرية تتحالف رغم اختلافاتها وصراعاتها الأهلية لتجعل من الإسلام السني عدوا تاريخيا لها. فمن أوروبا الكاثوليكية إلى روسيا الأرثدوكسية وصولا إلى أمريكا البروتستنتية لا تسمع في السرديات الدبلوماسية إلا تكريسا لعدو جديد يعوض الشيوعية ألا وهو الأمة الإسلامية! وأتذكر أن (مارغرت تاتشر ) رئيسة الحكومة البريطانية في عهدها سألها صحفي على (البي بي سي) أيام سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1990:"لماذا تحافظون على حلف شمال الأطلسي وقد سقط العدو السوفييتي ومعسكره الشيوعي وحلف (فارسو) ؟" فكان جوابها:"لا تنسوا أن المسلمين سيكونون عام 2030 مليارين من البشر، وسيصبح الإسلام هو الدين الأول في البشرية وهو دين يحمل بذور العداء والرغبة في الانتقام منا نحن المسيحيين منذ الحروب الصليبية والاحتلال الاستعماري" وفي هذا التاريخ الحديث ظهر حزب العدالة والتنمية في تركيا على أيدي طيب الذكر نجم الدين أربكان الذي قال حين سألوه عن انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي ورفض الاتحاد لأسباب دينية:" أفضل أن تكون تركيا الأولى بين المسلمين عن أن تكون الأخيرة عند الأوروبيين" وحين نقول تركيا الكبرياء فنحن نعني مثلا موقف الرئيس أردوغان تجاه السفراء العشرة الذين تدخلوا في شأن تركي داخلي، وقد نشرت السفارة الأمريكية لدى أنقرة الإثنين الماضي بيانا تعهدت فيه بمراعاة المادة 41 من اتفاقية فيينا التي تنص على "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول" كما صدرت من الدول التسع الأخرى التي سبق أن طالبت بإطلاق سراح رجل الأعمال التركي عثمان كافالا بيانات مماثلة لبيان السفارة الأمريكية، وفي أول تعليق تركي ذكرت مصادر في رئاسة الجمهورية التركية أن الرئيس رجب طيب أردوغان رحَّب بتلك البيانات، وقالت وكالة الأناضول معلقة عن الحادثة والرد التركي إن هذه الخطوة التي يمكن اعتبارها "اعتذارا دبلوماسيا" وتراجعا عن الموقف السابق الذي أعلنته السفارات العشر في بيان مشترك دعت فيه إلى الإفراج عن كافالا جاءت بعد أن صرح أردوغان بأنه أعطى وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو تعليمات لإعلان سفراء الدول العشر "أشخاصا غير مرغوب بهم" وإعلام هؤلاء السفراء بالقرار في أسرع وقت وبالتالي سجلت في خانة أنقرة كـ"انتصار دبلوماسي" ومن الضروري التذكير بأنه خلال العقدين الماضيين نجحت أنقرة في زيادة حضورها في أفريقيا مثلا بشكل تدريجي فارتفع حجم التمثيل الدبلوماسي من 12 سفارة في عام 2003 إلى 42 في عام 2021. ترافق ذلك مع ارتفاع في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر لتركيا في دول القارة من 100 مليون دولار إلى حوالي 6 ونصف مليار دولار، وزيادة حجم التبادل التجاري أكثر من 5 أضعاف وتوسيع الخطوط الجوية التركية نطاق عملها إلى 52 مدينة أفريقية. ويعتبر الرئيس أردوغان الزعيم الأكثر زيارة للدول الأفريقية في العالم بواقع 46 زيارة إلى 30 بلداً أفريقياً، كما أن تعزيز علاقات تركيا مع القارة الأفريقية بدأ عندما تمّ تعيين أنقرة كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي في عام 2005، وإعلانها شريكاً استراتيجياً في عام 2008. بعدها بخمس سنوات، أطلقت أنقرة سياسة الشراكة مع أفريقيا، وإن كان التركيز في علاقات تركيا بدول القارة قد طال في بداية الأمر المستويات الإنسانية والدبلوماسية والاقتصادية فإنّ عنصراً إضافياً كان قد دخل على المعادلة بقوّة مؤخراً وهو التعاون الأمني والدفاعي، فالمعدات الدفاعية محليّة الصنع في تركيا تلقى رواجاً كبيراً وسريعاً في أفريقيا وآسيا وأوروبا وتحتل المدرعات والطائرات المسيّرة الهجومية رأس أجندة المباحثات عندما يتعلق الأمر بمناقشة التعاون الدفاعي بين تركيا وبلدان القارة الأفريقية، بينما يلقى التعاون الأمني اهتماماً أوسع فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف والاستفادة من خبرة تركيا في هذا المجال. خلال الزيارة التي قام بها أردوغان مؤخراً تمّت مناقشة إمكانية بيع مسيّرات بيرقدار (تي بي 2) التي اكتسبت شهرة واسعة نتيجة أدائها المتطور في سوريا وليبيا. ولا أدل على الموقع الذي احتلته تركيا بين الأمم العشرين الأقوى من اللقاءات التي تمت بين الرئيس أردوعان ونظرائه التسعة عشر في روما وبطلب منهم شعورا بأن أنقرة أصبحت الشريك الذي لا غنى عنه في حل أزمات العالم في كنف العدالة الدولية والقانون الأممي. [email protected]