20 أكتوبر 2025
تسجيلالزلزال المدوي الذي عصف بالعالم يوم 2 أكتوبر سوف يظل حاضرا في ذاكرة الأجيال يدرسه طلاب القانون في الجامعات وتتضمنه الكتب المدرسية وتضرب به الأمثال لسبب بسيط وهو أنه حدث جلل غير مسبوق في التاريخ الحديث بل ولن تجد له مثيلا منذ أن تشكلت العلاقات الدبلوماسية بين الدول على أساس مبادئ ثابتة لأن العالم اكتشف أن المبعوثين للتفاوض مهددون بالإعدام والسجون من قبل ملوك لا عهد لهم، ففي عديد الأزمات بين الدول يفاجأ المبعوث عند وصوله للتفاوض بالقبض عليه واحتجازه رهينة أو أن الملك أمر بقتله وإرسال رأسه إلى باعثه ترهيبا! ففكرت الدول في اتفاقية مقننة تضع المبعوثين الدبلوماسيين في مأمن من الضرر والحيف و العدوان بواسطة حصانة متفق عليها منذ سنة 1815 (تاريخ أول معاهدة وقعتها سبع دول في مدينة فيينا). أما ما حدث في قنصلية السعودية في اسطنبول يوم 2 أكتوبر الماضي . فلا سابقة له على الإطلاق إلا عندما تفتش في كتب التاريخ الأسود للدكتاتوريات العاتية والأنظمة المجنونة حين كان الملك يغضب ويتملكه حب الانتقام ، فيأمر جلاديه بقطع رأس السفير ثم إرساله في كيس إلى باعثه صاحب المملكة الخصمة ! لكن الذي وقع في مكتب القنصل العتيبي (مسيلمة الكذاب) هو سيناريو مشابه وتكرار لوحشية بعض المستبدين القدامى قبل . إن تنتظم العلاقات الدولية على أسس الحصانة مع فارق كبير وهو أن الضحية ليس مبعوثا من ملك و لا مقاتلا في جبهة بل هو رجل فكر معتدل وقلم حر وثقافة عالية يعتبر رجل القصر منذ زمن بعيد يكن احتراما معلنا للأسرة الحاكمة ولم يخرج عن عقلية المواطنة المسؤولة لكنه يتمسك بحرية فكره وشعر وهو على حق بأن بلوغ ولي العهد الجديد محمد بن سلمان ولاية العهد شكل منعرجا خطيرا في نظام الحكم السعودي بالنظر إلى ما لاحظه العالم بأسره من تهور (كما نعته وزير خارجية ألمانيا حرفيا) وأحس جمال خاشقجي أن قلمه مقيد وكلماته مشبوهة ومأولة فأثر البعد عن المملكة و ممارسة حقه الطبيعي في التعبير دون أن يتطرف أو يعلن العصيان أو يدعو إلى انقلاب ! وكما توقع العالم أدت مظالم ولي العهد إلى تفكك الأسرة السعودية و إعلان بهارج العلمانية المغشوشة وتغير كامل في نظرة العالم للمملكة والى انهيار ودمار أصاب الخليج من جراء حرب اليمن و حصار قطر و حجز رئيس وزراء لبنان و إطلاق يد الإمارات للتدخل السافر واللئيم في شؤون دول عربية و غير عربية و انعدم الأمن في المجتمع السعودي و خرست فيه ألسنة التهليل والتكبير بعد مأساة القتل وغاب العدل لأن العدل هو أساس العمران وما عداه فهي طبائع الاستبداد كما قال عبد الرحمن الكواكبي. مقر دبلوماسي يتمتع بالحصانة المضمونة منذ سنة 1961 بفضل بنود اتفاقية فيينا للتنظيمات الدبلوماسية والعلاقات الدولية يتحول إلى مسلخ بشري ولم تعد تنطلي الأكاذيب السعودية والألاعيب الرسمية على الرأي العام الدولي لأن الحقيقة الساطعة القوية ترسخت اليوم في وجدان كل الناس وهي أن الجريمة المروعة من المستحيل أن يقترفها فريق رسمي متعدد التخصصات دون تكليف رسمي حل أعضاؤه باسطنبول قبل ساعات و قام الفريق الثلاثي قبل الجريمة بساعات بإعداد مسرح الجريمة من قتل بالخنق إلى تقطيع الجثة ثم إلى ما سماه النائب العام التركي التخلص من الجثة (بالتذويب حسب أرجح الاحتمالات بالحامض الأسيدي ...!) ثم إلقاء ما تبقى من رمادها إما في بئر القنصل أو في غابة بلغراد في ضواحي اسطنبول عافانا وعافاكم الله يا قرائي الأعزاء و جملكم بالصبر و التحمل أمام هذه المشاهد المرعبة الفظيعة ! إننا نعيش الجولة الأخيرة من الظلم و للحق جولات فقد كان صرحا من أوهام العظمة فهوى وسكت المطبلون المهرجون عن الكلام المباح حين طلع الصباح فأين نعيق بعض المرتزقة المصريين و الإماراتيين والسعوديين أمام هول الكارثة والغريب أنه لم يبق لهؤلاء إلا قناة الجزيرة حسب مبدأ الرأي و الرأي الآخر فظللنا نسمع إلى معلق عراقي مسكين اسمه الجبوري يردد منذ شهر شعار (لننتظر نتائج التحقيق !!) كما إلى بعض المغردين السعوديين يرددون (إنها مؤامرة قطرية تركية ....على بن سلمان!!) نحن اليوم على مشارف فجر جديد يهل مع الأسف بمأساة اغتيال جمال خاشقجي على الخليج فلعل حرب اليمن الطويلة تنتهي وينتهي الحصار الجائر المضروب على قطر ثم يعود الوئام ويرجع الأمن لمنطقة الخليج العربي بعد أن يتولى السعوديون بأيديهم تغيير المنكر الطارئ حيث لا مناص من التغيير بعد ثبوت الخطيئة وحتمية القصاص.