16 ديسمبر 2025

تسجيل

هل تأملنا اليوم تحليل القرآن للطغيان فاعتبرنا؟

05 نوفمبر 2015

لم يعد يشك عاقل في أن المشرق الإسلامي يعاني اليوم حروبا وويلات تصدت لها دول قوية ذات مصالح متناقضة حين عجزنا نحن عن مواجهتها فالإرهاب هو وليد الطغيان في المقام الأول ثم هو وليد لعبة الأمم ونتيجة مصالح القوى الكبرى التي تهندس لنا النظام العالمي الجديد على قياسها كما أنه وليد التسيب وغياب السلطة فانظر حولك لترى بؤر العنف الأعمى تتموقع تحديدا في بؤر الاستبداد من أي شكل كان والدليل في العالم العربي هو أن الدول المستقرة القليلة لدينا هي التي وازنت بين حرية الفرد ومصلحة المجموعة وتلك التي حافظت على هوية شعبها المسلم ولا يشذ إرهاب اليوم في عالمنا العربي أو في العالم عن هذا التفسير وأذكر أنني سعدت منذ سنوات بالحديث مع المستشار الألماني الأسبق (جيرهارد شرويدر) تذكرت أنه كان يشغل منصب وزير العدل في السبعينيات فبادرته بالسؤال عن سر انتصار الدولة الألمانية على إرهاب عصابات (بادر ماينهوف) التي قتلت وفجرت وخطفت الطائرات منذ السبعينيات إلى 1993. فكان جوابه لي درسا لم أتوقعه حيث قال:» قهرنا الإرهاب بالمزيد من الديمقراطية وتقنين الحريات العامة وبإصلاح الخلل في أداء المؤسسات الدستورية» وهو تحليل أعتقد أنه يصدم بعض العرب الغافلين الذين نسمع أصواتهم البلهاء ترتفع منادين بعودة العصا ومحاسن الهراوة والقمع وإعادة إنتاج الفاشية وإلغاء المكاسب الديمقراطية التي حققتها الشعوب بالتضحيات الجسام. ولهذا السبب أرجع دائما للينبوع الأول والصافي لمدونة الحكمة والهدى ألا وهو الفرقان وما حلله من روائع معاني الطغاة والطغيان لعل الذكرى تنفع المؤمنين.ففي سورة/طه يأمر الله تعالى رسوله موسى عليه السلام بأن يذهب إلى فرعون معللا سبحانه هذه الرحلة بطغيان حاكم مصر فالطغيان هو إذن في منظور الخالق الباري درجة من درجات السلوك البشري يمكن أن يبلغها الماسك بزمام السلطة، بعد أن يمتحنه الله وشعبه، فيصل إليها ويستحق حينئذ التذكير أو ما هو أخطر من التذكير، حسب سلم تقييم الطغيان. وقد ورد مصطلح الطاغين والطغيان في آيات القرآن مرات عديدة ومنها (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) النساء51.يطلق الكتاب العزيز فعلا طغى على البصر في سورة النجم حين ينفي صفة الطغيان عن البصر في وصف بعض مواقف الرسول (ص) فيقول(ما زاغ البصر وما طغى. النجم17) فيربط سبحانه بين الزيغ والطغيان في إشارة إلهية إلى أن الأمرين ينتميان إلى خلل واحد هو الزلل عن الطريق المستقيم، كأنما الذي يزيغ والذي يطغى هما في نفس الضلال البعيد. وفي نفس الآية أيضا معنى من معاني الإعجاز القرآني حين ينفي الله سبحانه صفة الطغيان عن البصر في هذه الحالة، وهو إقرار بأن البصر- وبالتبعية له البصيرة – يمكن أن يصابا بالطغيان في لحظة من لحظات الزيغ. ولعل الله تبارك وتعالى يريد منا أن نستشف هذا المعنى حين يقول في سورة العلق الآية6 كلا إن الإنسان ليطغى. وفي بعض الآيات ذكر القرآن القوم الطاغين، لأن الطغيان ليس في المنظور الرباني مقتصرا على شخص صاحب الأمر وأوليائه من الحكام، فالقوم يمكن أن يكونوا طاغين، والطغيان يصبح سلوكا عاما لا شخصيا مثلما هو الحال لدى فرعون فيما أسلفنا من التفسير. ففي سورة الذاريات يضفي الله تعالى على قوم نوح هذه الصفة»طاغون» بعد أن ينعتهم بأنهم كذلك قوم فاسقون.فلنتأمل هذه المعاني لنجنب أمتنا شرور الطغيان ولعلنا بذلك نجد حلولا لأزمات سوريا والعراق وليبيا واليمن دون أن تطغى علينا أمم أخرى لا هم لها سوى الهيمنة والاستغلال ببث الفرقة بيننا.