11 سبتمبر 2025

تسجيل

متعلمون بلا علم

05 نوفمبر 2015

إن الإسلام يؤكد على تنمية الجوانب الحضارية التي تستند إلى العقيدة الصحيحة، كما يهتم بتحسين وتطوير نوعية الحياة عبر المعرفة والعناية بالجوانب الروحية والمادية. إن الذين لا يستمعون للحديث ولا يروق لهم التفكر والتدبر في مظاهر الحياة ومواقفها اعتادوا -دون شك- أن يعيشوا لذواتهم، فيفكروا فيها فقط ويحلموا لها ويعملوا وفق ما تشتهي لا وفق ما ينبغي، أولئك اعتادوا أن يسيروا عكس التيار دائما، ويعتقدون أن الأمر كله يملكونه وأن الدنيا حبالها بأيديهم يشدونها متى شاؤوا، يخلون سبيلها عندما يطيب لهم ذلك، فالداء الذي استوطن عقولنا يأبى الرحيل، وقلوبنا في حالة رفض أشد ما يكون الرفض جنونا، ولا يكون ذلك وفينا قليل من عافية أو ضمير نسمح له أن يقول كلمة الفصل، فهدي الإسلام يولي أهمية خاصة لبناء الذات. فهو يركز على حب التعلم والتعليم والمعرفة والتي تنتج جيلا يكتسب الخبرات التعليمية بما يجعله عنصرا مفيدا في مجتمعه ولا يتحقق هذا النفع إلا إذا توج بالقيم الإسلامية، وما من داء أشد فتكا بالشعوب من الجهل والتجهيل، وذلك ما نشكو منه، الجهل الذي لا يقف معناه عند خط ظاهر أو معنى قديم، بل يقفز معناه فوق كل الضروب التي لا تعني إلا التأخر والتقهقر خلف الأمم والحضارات، وأنت تجد في كثير من المجالس الثقافية كلاما جميلا وأهدافا سامية، تعبر عن مدى الحرص على الوعي والنهوض والتقدم والمحافظة على كل المراكز أو الأماكن التي يتولد فيها العلم.إن المأساة الكبرى لا تكمن في قلة العلم أو قلة المتعلمين، أو عدد المراكز العلمية فعلتنا ليست في ذلك، فمدارسنا وجامعاتنا وافرة ومعاهدنا ومراكزنا مبثوثة في كل اتجاه، لكن العلة أننا لا نحب العلم لكونه علما فحسب ولا لأنه ذو فائدة ونفع كبيرين، ولكن لأنه وسيلة للكسب أعني كسب لقمة العيش حتى فقد أو أصبح يفقد كثيراً من بريقه وشعاعه ثم مزاياه وأخلاقه أيضا، فمكانة العلم والمتعلمين قد انحدرت إلى أدنى درجاتها في حياتنا اليوم، فبات لا يثير فينا شيئا من المتعة التي كان يحققها في العقود الخالية، وغدا المتعلمون لا يثيرون في النفوس إلا الفكاهة والدعابة، وربما السخرية بعض الأحيان، ولعل الأهم في هذه الكارثة أن العلم انفصل عن حياتنا، فصار لا يلامسها إلا في النذر اليسير، وكأننا لسنا من أمة "اقرأ" التي نزل عليها القرآن الكريم، فقلب حياتها من جفاء البادية إلى لين التحضر ومن فظاظة الطبع إلى سماحة الدين الجديد. فالأخذ بقيم الإسلام وآدابه كمنهج حياة متكامل من أجل تطوير المسلمين وزيادة تقدمهم في مجالات العلوم والتقنية والإدارة والأخلاق، إنه السبيل القويم الذي يقوم على مثل وقيم الإسلام الخالدة وعودة الأمة إلى المصادر الإسلامية الأصيلة ومبادئه القويمة لزيادة جودة الحياة الإنسانية لكل الناس، فإن تنمية القيم في أبناء المجتمع تعتمد على تكوين الوازع الداخلي في الفرد منذ الطفولة الأولى، التي تمثل ثقافة المجتمع وبالتدريج يتعلم الطفل ضبط النفس ويصبح قادرا على القيام بالسلوك المرغوب في المواقف المختلفة، وإذا كانت الشخصية بهذا الشكل فإن تكوينها يرتبط إيجابيا بالتربية، إذ إنها لا تعني مجرد فريضة ولا تعني التفتت بقدر ما تعني التكامل المنوط بالتربية، والذي هو حاصل مجموعة كبيرة من وحدات صغيرة كثيرة العدد لتتكون منها وحدة كبيرة ذات اتجاه أو ميل ثابت متوازن نسبيا. وذاك هو تكوين الشخصية المتوازنة التي تكون فعالة قائمة على أسس التربية الإسلامية الصحيحة.