29 أكتوبر 2025

تسجيل

إدارة الوحشية في العراق؟

05 نوفمبر 2014

ثمة حقيقة ميدانية قائمة وسائدة ومستفحلة تقول بأن ( العراق يحترق )!، و بأن ذلك الغلاف الشهير لإحدى أهم وأعرق المجلات الأمريكية الذي نشر قبل شهور وكان يضم صورة لخارطة العراق وتحتها عنوان مثير لا يصدر عن الإعلام الغربي جزافا يقول ( نهاية العراق ) !! هو حصيلة حقيقية لنهايات تراجيدية قد خطط لها جيدا و بإمعان وعبر إستثمار عناصر وأساليب وطرق إثارة النزاعات في مجتمع هش و قلق وغير متجانس كالمجتمع العراقي ، الذي تعمقت فيه اليوم الإنقسامات الطولية والعرضية بدءا من القومية و تعزيزا بالطائفية و ليس انتهاء بالعشائرية! ، هذا فضلا عن أن إدارة السلطة في العراق في مرحلة ما بعد الإحتلال و التخادم الأمريكي/ الإيراني المدمر ( 2003 ) وتمكن الأحزاب الطائفية المفلسة فكريا ومنهجيا وأخلاقيا إلا من فكر الخرافة والتطرف والغلو وسوء الإدارة قد أدى لتكريس حالات مريضة من الانعزالية والتوحش وتدمير الروح الوطنية الجامعة المانعة والاستعانة بالخارج وتحالفاته وتخادماته من أجل مواجهة خصوم الداخل. تغلغل الوحشية والسادية والدموية في إدارة الحالة العراقية قد أدى في نهاية المطاف إلى تشظي جميع المكونات العراقية التي كانت متعايشة بسلام منذ إنبثاق وطهور العراق الحديث بحدوده الراهنة عام 1921 بعد الاحتلال البريطاني الأول عام 1914/1917 ومن ثم بناء العراق وفق نظرية قومية نجحت في تسويقه إقليميا حتى جاء الإحتلال البريطاني الثاني بعد حركة مايو العسكرية عام 1941 لينهي وضعا سياسيا مضطربا كانت له تداعياته الإقليمية المباشرة وقتها في ظل أجواء الحرب الكونية الثانية التي كان الشرق الأوسط وشعوبه في قلبها الإستراتيجي.وقد كان انقلاب 14 يوليو 1958 بإطلالته الدموية الفظة البداية الحقيقية لفتح بوابات جهنم في العراق!، كما كان الدروس الأولى لمنهجية وإدارة فن التوحش في الصراعات الأهلية، وحيث شهد العراق سنوات 1959 وحتى الإنقلاب الدموي الآخر عام 1963 حالات كبيرة من التصفيات والاغتيالات والجثث المسحولة في الشوارع بين القوى السياسية العراقية المختلفة من بعثيين وشيوعيين وقوميين وأكراد وغيرهم ، لقد كانت واجهة المجازر السياسية مختلفة عن الشكل السائد حاليا و لكنها متفقة ومتطابقة في الطريقة والأسلوب. وبعيدا عن الإغراق في تتبع حملات الدم العراقية المستمرة فصولا متعاقبة فإن الحكومة العراقية الحالية وهي دعوية ذات ولاءات إيرانية واضحة وتاريخية ، تحظى بالرعايتين الغربية و الإيرانية إنما تحصد اليوم نتائج ممارسات وأساليب الحكومات الطائفية السابقة وخصوصا حكومتي الرئيس الأسبق نوري المالكي الذي دخل تاريخ الوحشية في العراق باعتباره أحد أكبر مروجيها ومسوقيها وناشريها في المجتمع العراقي!!، وقد أجبره الحلفاء الغربيون بالتفاهم مع طهران على الانسحاب من السلطة ولكن بعد أن أمعن في تمزيق العراق ووضعه أمام خارطة طريق حروب طائفية مروعة بتسليط الميليشيات الطائفية الحاقدة على رؤوس العباد وانهيار هيبة الدولة وجيشها بالكامل، وفتح الطريق رسميا أمام بلطجة طائفية عشائرية رثة تمارسها السلطة ببدائية مقرفة، ورغم وعود البديل البريطاني حيدر العبادي بالتغيير إلا أن حقائق الميدان تؤكد عجزه الواضح عن ممارسة أي فعل ميداني بل أنه نفسه قد أضحى غطاء رسميا لتصرفات الميليشيات الإرهابية التي باتت تتحكم بتفاصيل المشهد العراقي وتتنقل تحت القيادة المباشرة لقائد فيلق القدس الإيراني من جنوب بغداد وحتى سامراء وصولا للشمال، و يبدو أن قرار إعطاء الحرية الكاملة للميليشيات الطائفية قد حجم كثيرا من الآمال التي كانت معقودة على العبادي في حلحلة وإنفراج المشهد العراقي المعقد وحيث تحولت الحرب ضد الإرهاب لتصفية حسابات طائفية مريضة شاركت بها ميليشيات غير رسمية أخذت تقوم بمهام الدولة العراقية المفترضة، لقد تعملقت العصابات الطائفية وانهارت سمعة ومكانة الجيش العراقي، ووزير الدفاع الجديد خالد العبيدي لا يستطيع تقديم أي متغير حقيقي لكون القيادة العسكرية العليا للعراق باتت تدار من طهران!! وهي واحدة من أخطر ما تمخضت عنه إدارة الوضع في العراق!! ، الوحشية باتت سيدة الموقف، وإدارتها أضحت هي الخيار الممكن الوحيد لبلد يسير بسرعة الضوء نحو الكارثة، الفاشلون لا يقدمون الحلول بل إنهم كارثة حقيقية، والعراق اليوم يعيش عصر التوحش بكل أبعاده و معانيه!!.