10 سبتمبر 2025
تسجيلثمة عبارات تتحرر من أصحابها، لتتخذ منا مداراً تدور حوله، فكرنا المركز، وهي بكل ما تحمله من معارف تطوف دون هوادة، تنظر كيف أننا نتغير، نتعمق، نصعد، أو حتى نتراجع، ننطلق أو نُدفن. ولعل عبارة لا يمكنني نسيانها، تطوف حولي مُذ عشر سنوات، أو أنا التي أطوف حولها، لا أعلم. تشدني إلى السماء تارة، وتسحبني إلى الأرض تارة أخرى، وفي لحظة ليست عابرة، يكون امتناننا لأصحاب تلك الأحاديث، الكلمات التي لا تُنسى، قد نظل نراهم أساطير، شخصيات كبيرة، مضيئة كنجوم. يقول: "أحبكم.. وأعلم أن الموت خلف الباب ينتظرنا جميعًا ". أطلقها إلى عقلي الدكتور " عيسى العاكوب " في معرض حديثه عن أبنائه، وبإيجاز واختصار وتعريف لا يسمو إلى شخصه، فهو " الإنسان " المتصوف جدًا، العميق جدًا جدًا، والشخص الذي زجني في رحلة بحث عن "مولانا" جلال الدين الرومي، كما يطيب له تسميته، حين لم أتعدَ التاسعة عشرة. إن الدكتور عيسى شاعر من الطراز الأول، قصيدته "الرقة" لامست سقف ذائقتي، وعلّها أجمل ما مر بذهني فيما يخص الأرض والوطن، أذكره كيف أنه يدخل في حالة قوية من الشجن أثناء شرحه وحديثه، إذ لم يخجل أبدا أن يبكي أمام طالباته، ولم أخجل عندما سقط رأسي على طاولة الفصل لأبكي معه، طالبة من قسم الأدب الانجليزي، تأخذ مادة في قسم اللغة العربية، وتبكي. كمتصوف، كان يشعر أثناء حديثه أنه يرتفع إلى الله، وكنا نشعر بارتفاعنا معه، قلوبنا المأخوذة إلى الأعلى، ترتجف وبلل الدمع يغطيها، نلحظ كيف أنه يسحبنا وذائقتنا ومواهبنا إلى السماء، إلى معنى الحب والكمال. لاحقًا، أصبحت مولعة في النقد والأدب المقارن، أعود إلى أوراق المحاضرات، وأستعيد أجمل الملاحظات الصغيرة، المكتوبة بالسرعة، وخفة القلم. الآن، أنا لا أنكر أبدًا أنه من الأشخاص القلة الذين أثروا في حياتي الأدبية، أدعو الله كثيرًا أن يكون بخير بعد أن فُقدت جميع وسائل الاتصال جراء الأزمة السورية، أن يعم السلام قلبه وأبناءه ووطنه، وألا يبكي على فقدهم كما بكى يومًا حين قال عنهم " أحبكم، وأعلم أن الموت خلف الباب ينتظرنا جميعًا ".