08 أكتوبر 2025
تسجيل* عندما ترجع إلى ديوان عنترة بن شداد العبسي وتقرأ غزلياته في عبلة بنت مالك تجد أن هذه الغزليات أو العبليات لا تخرج عن القول المحتشم الرزين الذي ليس فيه فحش ولا بذاءة، وإنما تجد روح الفارس الماجد الذي يترفع عن الصغائر والدنايا التي تمس المروءة والشهامة، وهذه إحدى قصائده التي قالها في عبلة: أشاقك من عبل الخيال المبهج فقلبك منه لاعجٌ يتوهج فقدت التي بانت فبت معذبا وتلك احتواها منك للبين هودج كأن فؤادي يوم قمت مودعاً عُبيلةَ مني هاربٌ يتمعج خليلي ما أنساكما بل فداكما أبي وأبوها أين أين المعرَّج ألِمَّا بماء الدحرضين فكلما ديار التي في حبها بتُّ ألهجُ ديار لذات الخدر عبلة أصبحت بها الأربع الهوج العواصف ترهج ألا هل ترى إن شط عني مزارها وأزعجها عن أهلها الآن مزعج فهل تبلغني دارها شدنِيَّةُ هملّعةٌ بين القفار تهملِج عُبيلةُ هذا درُّ نظم نظمته وأنت له سلكُ وحسنٌ ومبهج * وهذه قصيدة أخرى من غزليات عنترة العبسي .. محبوبته عبلة لا تخرج كلماتها عن الوقار والأدب: إذا رشقت قلبي سهامٌ من الصدِّ وبدَّل قربي حادث الدهر بالبعد لبست لها درعاً من الصبر مانعاً ولاقيت جيش الشوق منفرداً وحدي وبتُّ بطيفٍ منك يا عبلُ قانعاً ولو بات يسري في الظلام على خدي فبالله يا ريحَ الحجاز تنفسي على كبدٍ حرَّى تذوب من الوجد ويا برقُ إن عرَّضت من جانب الحمى فحي بني عبس على العلم السعدي وإن خمدت نيرانُ عبلة موهناً فكن أنت في أكنافها نيٍّر الوقد وخل الندى ينهلُّ فوق خيامها يذكرها أني مقيمٌ على العهد عدمت اللِّقا إن كنت بعد فراقها رقدت وما مثلت صورتها عندي وما شاق قلبي في الدجى غيرُ طائر يفوح على غصن رطيب من الرفد به مثلُ ما بي فهو يخفي من الجوى كمثل الذي أخفي ويبدي الذي أبدي ألا قاتل الله الهوى كم بسيفه قتيلُ غرامٍ لا يوسّدُ في اللحد * ولنقف مع عنترة في هذه القصيدة التي قالها كفارس وعاشق لعبلة: دار لعبلة شطَّ عنك مزارها ونأتْ لعمري ما أراك تراها يا صاحبي قفْ بالمطايا ساعة في دار عبلة سائلاً مغناها يا عبلُ قد هام الفؤادُ بذكركم وأرى ديوني ما يحلُّ قضاها يا عبلُ إن تبكي عليَّ بحرقة فلطالما بكتِ الرجالُ نساها يا عبل إني في الكريهة ضيغمٌ شرسٌ إذا ما الطعنُ شقَّ جباها فهناك أطعُن في الوغى فرسانها طعناً يشقُّ قلوبها وكُلاهما وسلي الفوارس يخبروك بهمتي ومواقفي في الحرب حين أطاها وأكونُ أولَ ضاربٍ بمهندٍ يفري الجماجم لا يريدُ سواها وأكون أول فارس يغشى الوغى فأقودُ أوَّلَ فارسٍ يغشاها والخيلُ تعلمُ والفوارسُ أنني شيخُ الحروب وكهلُهَا وفتاها يا عبلُ كم من فارسٍ خليته في وسط رابيةٍ يُعدُّ حصاها يا عبل كم من حرَّةٍ خليتها تبكي وتنعي بعلها وأخاها يا عبلُ كم مهرة غادرتها من بعد صاحبها تجرُّ خطاها يا عبلُ لو أني لقيت كتيبةً سبعين ألفاً ما رهبت لقاها وأنا المنيةُ وابنُ كلِّ منيةٍ وسوادُ جلدي ثوبُها ورداها وسلامتكم...