13 سبتمبر 2025
تسجيلهناك مقولة راجت عند الكثيرين عبر التاريخ أن المصريين ألفوا الاستعباد، وأنهم شعب لا يُقاد إلا بالعصا. أبسط تفسير أراه لمن قالوا ويقولون هذه المقولة، أنهم يريحون أنفسهم من أيّ عمل سياسي أو رأي معارض للحكم. إن نظرة واحدة لتاريخ المصريين تراه حافلا بالثورات نجحت أو فشل بعضها. في العصر الفرعوني كان الحاكم إلها أو ابن إله لأن النيل كان مصدر الحياة الوحيد، وكانت مهمة الحاكم تنظيم مياهه ليقوم المصري بالزارعة، النشاط الأكبر الذي يوفر له كل شيء، ومن ثم لا حاجة له بالمعارضة. هذا الذي لخصه المطرب محمد عبد الوهاب في أغنية «محلاها عيشة الفلاح متهني قلبه ومرتاح» رغم أن هناك من اعتبرها موالسة للملك الحاكم، رغم أن المعنى الأقرب هو أنه حين يعجز المصريون عن التمرد على الحاكم يتركون أمره إلى الله ويكتفون بخير الارض. يصبرون ولم يكن هذا خنوعا قط. رغم ذلك شهدت البلاد قلاقل وثورات حين اشتد الظلم. من روائع المعارضة رسائل الفلاح المصري الفصيح إلي حاكم إقليم إهناسيا في نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد حين وقع عليه الظلم والتي سجلتها الآثار. دخول الأديان السماوية مثل المسيحية أو الإسلام لم يشهد في البداية مقاومة كبيرة، لأن المصريين عرفوا يوم الحساب مبكرا، وكتبوا فيه التراتيل العظيمة التي تراها فيما بقى من ورق البردي أو النقش على الجدران، فلا حاجة للمقاومة. حين وفدت المسيحية إلى مصر وكانت الإسكندرية ميدانها الأكبر، تمسك بها المصريون أمام الحكم الروماني، ودفعوا الثمن غاليا حتى آمن بها الرومان، وهناك زمن كامل يسمى عصر الشهداء، لكنهم في النهاية جعلوا من كنيسة الإسكندرية مركز الأرثوذكسية في العالم. جاء الإسلام ويقال لم يقاوم المصريون ولا ينتبه أحد إلى الفكرة الرئيسية، وهي أننا لسنا ضد التوحيد من قديم الزمان. لكن العصور الإسلامية شهدت ثورات عديدة حين تحولت الجزية إلى جباية كبيرة وإكراه، منها ثورة البشموريين أهل شمال الدلتا ضد الدولة الأموية، وغيرها كثير ضد العباسيين والأتراك والمماليك. تاريخ تمرد المصريين في العصر الحديث طويل من مقاومة الحملة الفرنسية إلى الثورة العرابية إلي ثورة 1919 إلي المظاهرات ضد الاستعمار والملك في الثلاثينات والأربعينات حتى جاء انقلاب يوليو 1952. حين جاء انقلاب يوليو كان الملك تقريبا قد فقد معظم مزاياه، وكان الإنجليز قد ابتعدوا عن كل البلاد، وتمركزوا في منطقة قناة السويس تمهيدا للخروج من مصر. جاء انقلاب يوليو وحصد الجهد السابق للشعب بلا مجهود. هل مرت سنوات الخمسينات وحتى الآن بلا تمرد أو ثورات؟ لا. لكن الحكم العسكري عرف كيف يجهضها أو يتحايل عليها، لتنتهي إلى استمرار وجوده، وآخرها ثورة يناير 2011. من ينسى المظاهرات التي اندلعت مع وفاة مصطفى النحاس باشا أو بعد هزيمة 1967 أو عام 1971-1972 حين تلكأ السادات في الحرب. أو عام1977 أيام السادات ايضا أو بعدها. حدث ذلك كله رغم المعتقلات التي امتلأت بالكتّاب والمفكرين والمعارضين. هل تم محاسبة أحد على هذه الاعتقالات ؟ لا وحتى حين حدثت ثورة يناير وما جرى فيها من اغتيالات للثوار وبعدها من اعتقالات. جعلت رومانسية الثوار المحاكمات غير ثورية، ومن ثم نفد كل الفاسدين والقتلة من العقاب. لماذا إذن يُقال عن المصريين أنهم لا يقادون إلا بالعصا؟ ليس لأنهم كذلك، لكن لأن من استخدم العصا لم تتم محاكمته محاكمة حقيقة، ولم يدفع الثمن قط.