15 سبتمبر 2025
تسجيلللأمم الحية ذاكرة تاريخية وتجارب كفاحية، ولحظات تاريخية مشهودة كانت جسرا بين واقعين مختلفين، وعبورا لآفاق تغييرية كبرى وبما يشكل ذاكرة الأمة والشعب، والصراع العربي/ الصهيوني المستعر منذ سبعين عاما ونيف من السنين حفل بوقائع ومتغيرات ومآسي وهزائم وانتصارات، شكلت مسيرتها وسيرتها توثيقا تاريخيا لمراحل زمنية أضحت عنوانا لتاريخ الأمة، وإذا كانت نكبة فلسطين عام 1948 زلزالا مدمرا غير الكثير من الأوضاع العربية وأنتج واقعا جديدا، فإن سلسلة الهزائم العسكرية التي تبعتها وبلغت ذروتها مع هزيمة الخامس من يونيو عام 1967، في تلك الحرب الغادرة التي تسببت بها القيادات العسكرية العاجزة والتي لم يتح خلالها للجندي العربي المصري والسوري فرصة القتال الحقيقية في مواجهة أبشع عملية غدر دولية هزت نتائجها ألأوضاع العربية بعنف، وأنتجت مرحلة ساخنة من الصراعات الدموية، وبرزت خلالها الحقيقة والفرق بين الشعارات الثورية التخديرية والوقائع العربية المزرية، فنظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مصر الذي ملأ الدنيا ضجيجا عن الثورة والتحرر والاشتراكية، كان يعيش صراعات داخلية وبنيوية حادة بين قياداته وأركانه وبعضهم غير صالح للقيادة أصلا، وكان النظام قويا من الناحية الإعلامية المحضة أما أوضاعه الداخلية فكانت مهزوزة يشوبها الفوضى ويعمها الاضطراب والتناحر الشخصي بين القيادات العليا، وهو ماجعل المهمة الإسرائيلية في تدمير الجيش المصري سهلة ومريحة فالهزيمة كانت داخلية قبل أن يتكفل الطيران الإسرائيلي فجر ذلك اليوم برفع الغشاوة عن العيون المرهقة بالشعارات الثورية الفارغة، فكانت مذبحة سيناء التدميرية وتدمير الجيش المصري وضياع الأرض، أما على الجبهة السورية فإن نظام اللجنة العسكرية البعثية القمعي قد أجهز على كل أسس الحياة في سوريا، ودمر الجيش السوري بسلسلة التصفيات ولم يكن حريصا على الوطن بقدر حرصه على السلطة ومغانمها، فالمهم سلامة النظام لا سلامة الأرض السورية، فتم بيع هضبة الجولان بأبخس ثمن وبدأت حرب التصفيات بين القيادات الفاشلة المتأزمة وضاعت الأرض وكرامة النظام ولكن بقي النظام يمارس سياسة القمع والرعب والإبادة والتقتيل والتدمير المنهجي!، لقد كانت لحظات تاريخية فاصلة في الشرق القديم، بعد هزيمة 1967 مرت مياه ودماء عديدة تحت كل الجسور، وعاشت الأمة حرب الاستنزاف ثم معارك سبتمبر الأسود في الأردن وبدأت سلسلة من الانقلابات العسكرية في العراق والسودان وليبيا، وتشكل واقع إقليمي جديد وسط أحاديث هائمة عن قرب تحريك الموقف مع إسرائيل رغم ضباب المشاكل الدولية القائمة حينذاك كالحرب الفيتنامية والحرب الهندية الباكستانية عام 1971، وتهيأت الفرصة ولأول مرة في تاريخ العرب المعاصر للجندي العربي أن يأخذ بثأره وينتصر لأمته وشعبه ويخوض ملحمة استعادة الأرض والكرامة ظهيرة يوم السبت السادس من أكتوبر تشرين أول عام 1973 والذي صادف يوم العاشر من رمضان ليخوض الجندي العربي في جيوش مصر وسوريا والعراق والسعودية والجزائر والمغرب معركة الشرف التي انطلقت مع تحطيم الجيش المصري لحصون خط بارليف المنيع والعبور للضفة الشرقية لقناة السويس وبداية تطهير أرض سيناء المقدسة من رجس الاحتلال الصهيوني، كما بدأ الجيش السوري يدعمه العراقي الذي كان بدك تحصينات الجولان والشروع في استعادتها قبل أن تتوجه الأمور نحو مسارات أخرى!، لن نخوض في تفاصيل تلك الأيام الملحمية التي ظهرت فيها شجاعة وتضحيات الجندي العربي، والتي شهدت تضامنا عربيا غير مسبوق واستعمال البترول العربي كسلاح أساسي في المعركة وحيث برز الدور السعودي والخليجي الاقتصادي الضاغط والذي غير كل موازين اللعبة الدولية، لقد توجهت الجيوش وقتها في تلك المنازلة التاريخية الكبرى لتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي وجدت لأجلها ووجهت رصاصها لصدور العدو وليس لصدور الشعب كما يفعل اليوم جنرالات الانقلاب والهزيمة الذين حرفوا مسيرة تلك الجيوش الكفاحية، فجيش مصر اليوم تحت ظلال قياداته الانقلابية ارتكب للأسف مجازر بحق شعبه الثائر المنتفض، والجيش السوري حوله أهل الإرهاب من الطغمة الفاشية الحاكمة لعصابة من المرتزقة والقتلة الذين أبدعوا في استئصال الشعب وتدمير مدنه وحواضره وفي خدمة جلاد أرعن استدعى كل ذئاب الأرض لإرهاب شعبه وترويضه ولو عبر إفنائه!