14 سبتمبر 2025

تسجيل

العرب ضحية لعبة الأمم

05 سبتمبر 2014

نتأكد يوما بعد يوم و باليقين أن العرب سيكونون قريبا الضحايا الأفضل للعبة الأمم و يكفي أن تفتح أمامك يا قارئي العزيز خارطة الكرة الأرضية و نحن في نهايات صيف 2014 لتدرك بيسر أن أمم الدنيا كلها تتكتل و تتجمع بينما تتهافت هذه الأمم الموحدة و تتداعى إلى قصعة الأمة الإسلامية و إلى قلبها التاريخي العربي وصاحب لغة القرآن الكريم لتلهف فيها ما تبقى من وعي و قوة و إيمان (تذكروا نصيحة الرسول صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع) وهكذا في لحظات غياب العقل وحضور الغفلة يكمل الغرب المنتصر في بداية القرن الحادي والعشرين ما بدأه في بداية القرن العشرين و تحديدا يوم 16 مارس 1916 يوم توقيع السيدين (سايكس) وزير خارجية التاج البريطاني و (بيكو) وزير خارجية الجمهورية الفرنسية على معاهدة مفصلية تحمل اسمي الرجلين وهما مزهوان بانتصار الغرب على الغرب أي أنهما يمثلان امبراطوريتين غربيتين مسيحيتين هزمتا امبراطورية أوروبية مسيحية هي الألمانية (الجرمانية البروسية) و كانت الولايات المتحدة في ذلك العهد ما تزال تغفو على فراش المبدأ الولسوني نسبة للرئيس (وودوورد ويلسن) القائل بأن الولايات المتحدة جزيرة موصدة لا يعنيها ما يجري خارجها فهي قارة مغلقة و بعيدة عن القارات الأخرى وكان وزيره للخارجية (وليام برايان) يسعى لإعطاء ذلك المبدأ أبعادا أخلاقية ترفض على سبيل المثال المغامرات الاستعمارية الأوروبية ضد الشعوب المستضعفة وهو ما شكل في الواقع ضربة قاصمة للفكر الاستعماري و اغتنمه بورقيبة التونسي و نكروما الغاني و سيكوتوري الغيني و سنغور السنغالي وهوشي منه الفيتنامي أما اليوم فتقسيم العالم العربي الذي وقع عليه الوزيران سايكس و بيكو انتهت صلوحيته و بات قابلا للمراجعة الأمريكية لأن الحرب الكونية الأولى (1914-1918) أعقبتها حرب كونية ثانية (1939-1945) لنفس الأسباب الداخلية الأوروبية تقريبا لكن هذه المرة لم يكن الحسم مع النازية ممكنا لولا دخول أمريكا في الحرب بقوتها العذراء وغير المستعملة لإنقاذ بريطانيا و فرنسا من الهزيمة و الاحتلال فتم القضاء على (المحور) المشكل من ألمانيا الهتلرية وإيطاليا الموسولينية واليابان الامبراطورية بالقنابل الذرية في آخر المطاف (مدينتان يابانيتان هما هيروشيما و ناجازاكي مسحتا من سطح الأرض ب200 ألف ضحية في دقائق في أغسطس 1945) و صعدت واشنطن إلى قمة الغرب الظافر لكنها استوعبت الدرس واستخلصت العبرة فالولايات المتحدة هي الحامية للقارة الأوروبية العجوز من أخطار العملاق السوفييتي بفضل المظلة النووية الأمريكية المنشورة على الأوروبيين خاصة قأدركت أن كل الدول الأوروبية الديمقراطية سمحت بإنشاء أحزاب شيوعية فيها بعضها متطرف ومرتبط إيديولوجيا بموسكو مثل الحزب الشيوعي الأسباني أو الفرنسي أو الإيطالي في حين شد الغرب وثاق العملاق الألماني واستعمرت الجيوش الأمريكية و الفرنسية و البريطانية أرض و شعب ألمانيا في عمل مشين ومذل و قسمتهما نصفين نصف للمنتصر السوفييتي كحقه في الغنيمة بعد مشاركة ستالين وموسكو في الحرب والنصر ونصف للحلفاء الغربيين كما قسمت برلين و تم بناء جدار العار يفصل الشعب الألماني إلى جمهورية فيدرالية ليبرالية تتبع الغرب المنتصر و إلى ألمانيا شيوعية تنتسب للمعسكر الماركسي بالقوة و تحول هذا التفوق الأمريكي إلى تغول بعد إنهيار القطب الشيوعي مع إنهيار جدار برلين في نوفمبر 1989 ثم ابتعد شبح الحرب الباردة إلى حين فتشكل واقع جديد في لعبة الأمم يسمى ما بعد الحرب الباردة أو مرحلة القطب الأوحد (الأمريكي طبعا) استمر ربع قرن إلى أن ظهرت في العالم جيوستراتيجيا جديدة.اليوم و نحن في 2014 إنتقلت لعبة الأمم من أوروبا (موقع الحربين العالميتين) إلى الشرق الأوسط و القوقاز و أوكرانيا و إفريقيا بعد أن بسطت الصين الشعبية بقوة إنتاجها و استقرار مؤسساتها ومخزونها العالي من الدولار نفوذها على كامل القارة الأسيوية تقريبا و بعد أن خرجت أمريكا اللاتينية من أزمات الإستبداد العسكري واختارت شعوبها إما الإلتحاق بالليبرالية الأمريكية أو مناهضتها بأنظمة شعبية مثل نظام (هيجو شافيز) في فينيزويلا. و تحول صراع الأمم إلى حرب باردة جديدة بأشكال مختلفة تنتقل تدريجيا و في مناطق عديدة من العالم إلى حروب ساخنة بالوكالة ولا أدل لدينا نحن العرب من إشتعال حرائق سوريا و العراق و ليبيا وبدرجة أقل اليمن و مصر و لكن مأساتنا المستمرة هي في قلب الصراع المرير والجائر و الطويل في فلسطين وهو آخر قلعة من قلاع الإستعمار و الإستيطان التي انهدمت تحت أقدام المحررين العرب و المسلمين خلال القرن العشرين. ظل الإحتلال الصهيوني آخر موقع إستعماري يدينه ميثاق الأمم المتحدة و يبيح قتاله والتصدي له بكل الوسائل لأنه بكل بساطة مريعة يشكل منذ 1948 إحلال شعب دخيل مكان شعب أصيل و لا أدل على هذه الحقيقة المغيبة في زمن استشهاد 2500 غزاوي من أن أربعة ملايين مستوطن يهودي قدموا من جميع أنحاء الدنيا عوضوا أربعة ملايين فلسطيني هم اليوم إما تحت الخيام أو في شبه محتشدات أو هاجروا إلى بلاد الله الواسعة ونالوا جنسياتها و كبر فيها أولادهم و ظلت أرض الوطن بالنسبة إليهم جرحا نازفا مع تعاقب الأجيال و مع مفاتيح بيت الأجداد المحفوظ في الدولاب.كيف نقرأ مصير لعبة الأمم و نحن في موقع الضحايا ؟ لا حول لنا نحن العرب ولا قوة لمواجهة أمم تخطط و تتكاتف و تتشاور و تنسق فيما بينها مثلما كانت خلال قرون الحروب الصليبية التي بدأت من خطاب البابا (يوربان الثاني) في كاتدرائية (كليرمون) في جنوب فرنسا والحروب الصليبية دامت قرنين من خطاب البابا سنة 1095 إلى مصرع ملك فرنسا لويس التاسع في قرطاج بإفريقية (تونس) سنة 1270 و نفس الحملات الصليبية عادت مع ظاهرة الإستخراب (المسماة ظلما بالإستعمار) بإحتلال الجزائر ثم العالم الإسلامي على فترات متعاقبة و العمل على تنصيره و القضاء على العدو الموحد وهو الإسلام لأنه مشروع أخلاقي و إقتصادي و ثقافي تحريري يتصدى للطاغوت و يحرر العباد من عبودية العباد ليعبدوا رب العباد. فماذا تغير اليوم و نحن نرى الآلاف من الفلسطينيين يسقطون شهداء تحت القصف الأعمى و نرى آلاف الضحايا العرب يسقطون تحت رصاص الجماعات العنيفة أو الضالة و قنابل وبراميل الأنظمة المستبدة منتهية الصلاحية ثم نجد أن لعبة الأمم الصليبية الجديدة تناور حتى يطلب بعض العرب تدخلها العسكري و قد طلبوا ليستقر الإستيطان الصليبي المعاد إنتاجه مطمئنا هذه المرة بأن المسلمين في قبضته و تحت سيطرته بخيراته و طاقاته و عقوله وهو ما سمته الإدارة الأمريكية في عهد بوش الإبن والمحافظين الجدد بالشرق الأوسط الجديد أي مغارة الكنز المطلوب من النفط والغاز و المعبر الأوحد بين كل القارات و طريق الغرب للشرق الأقصى و السد المنيع ضد توسع الصين والتطعيم الناجع ضد عودة روسيا لسالف قوتها. ونقول للعرب و نخبهم ما قاله الله تعالى (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو أسمعهم لتولوا وهم معرضون"الأنفال22و23") و البشر أولى بهذه الحكمة الربانية لأن الطبري يفسر الدواب بكل خلق دب على وجه الأرض.