12 سبتمبر 2025
تسجيلدخلت معاناة السوريين مرحلة جديدة من العذاب بعد الإعلان الصريح بدعم نظام بشار الأسد عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا ولوجستيا من جانب النظام الإيراني، وكذلك تراجع الولايات المتحدة الصريح بعدم دعم المعارضة والجيش الحر بالسلاح والمال. فواشنطن ادعت أن التدخل العسكري الأمريكي المباشر في سوريا على غرار النموذج الليبي سيضر الولايات المتحدة وسيزيد من العداء تجاهها بين العرب والمسلمين. وأعتقد أن هذا الكلام محض افتراء، فواشنطن وهي تعترف بأن الكارثة الإنسانية في سوريا واقع لا يمكن إنكاره، وأن نظام بشار الأسد قتل الآلاف من الشعب السوري، لاسيَّما وأنه يقاتل من أجل البقاء.. نراها تحذر من أن الدعوات التي وصفتها بـ"الخاطئة" لإجراء تدخل عسكري أمريكي في سوريا، لن ينتج عنها سوى الكثير من التداعيات. لماذا؟! فإيران التي استضافت أخيرا قمة عدم الانحياز، أقسمت بأغلظ الأيمان أنها ستدعم سوريا خلال تلك القمة، ورأينا كم كانت طهران تمارس سياسة الانحياز بعينها وليس عدم الانحياز، أي أن القمة جاءت على غير الهدف منها أو مسماها الطبيعي. الغريب أن سوريا كانت محطة رئيسية ومهمة لمسؤولين إيرانيين عديدين قبيل انعقاد القمة، وخرجت تصريحات من قلب دمشق منحازة تماما للنظام السوري ضد الشعب، فمثلا خرج المدعو علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي بتصريحات غاية في الصفاقة في دمشق وفحواها كلها " أن أمن سوريا من أمن إيران.. وعلى هذا الأساس كنا وسنكون إلى جانب الإخوة السوريين". الإخوة السوريون الذين يقصدهم ويعنيهم بروجردي هو النظام ومن يقف معه من السوريين، وليس بقية الشعب الذي يتألم ويموت ويتعذب ويعيش في الخيام في مراكز الإيواء ومعظمه بات بلا مأوى. ثم يدعي المسؤول الإيراني أن طهران ستطرح مبادرة سياسية للحوار بين السوريين ووقف نزيف الدم. وبينما كان بروجردي في دمشق يؤكد دعم إيران للأسد، لم تغفل العاصمة طهران عن تسريب أنباء عن تحركات لإنقاذ حليفها السوري، ليعلن حسين طالب رئيس دائرة استخبارات الحرس الثوري الإيراني أنه على بلاده مسؤولية دعم حكومة الأسد وعدم السماح بكسر خط المقاومة والممانعة، على اعتبار أن جيش الأسد يمثل المقاومة وأن المعارضة السورية هي الجهة الظالمة والغاشمة والمعتدية. وهذا ما أكده أيضاً تقرير للأمم المتحدة بأن إيران تدعم نظام بشار الأسد بتقديم أموال وأسلحة لسحق معارضيه. وقد أثبتت تحريات الجيش السوري الحر في وقت سابق أن المواطنين الإيرانيين المختطفين في سوريا هم أعضاء في الحرس الثوري الإيراني، أي مرتزقة ذهبوا إلى دمشق لحماية الأسد. والأخطر أن مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي أوعز صراحة في شكل تعليمات وأوامر مباشرة إلى الجنرال قاسم سليمان قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري بشن هجمات ضد الغرب وحلفائه في مواجهة مخاطر سقوط نظام الأسد. أما من ناحية أمريكا.. فواشنطن تدعي على لسان ما ورد في صحيفة واشنطن بوست أن تدخلها عسكريا من شأنه أن يزيد من عدد الخسائر البشرية خاصة من المدنيين.. وترك البيت الأبيض ووزارة الخارجية الصحيفة الأقرب إلى الحكومة لتوجيه الأسئلة والأجوبة حتى تبتعد الإدارة الأمريكية عن الالتزام بما يقال على المستوى الإعلامي. فقد تساءلت الصحيفة: " ما هو حجم عمليات القصف المطلوبة من القوات الجوية الأمريكية حتى يتم تدمير المضادات الجوية التي يمتلكها نظام الأسد؟".. وإذا كان البيت الأبيض هو الذي أوعز للصحيفة بتوجيه السؤال، فطبيعي أنه نفسه الذي يضع الردود والأجوبة التي جاءت على شاكلة أن الحملة العسكرية المطلوبة يجب أن تكون مستمرة وليست لمرة واحدة، وأن تلك الحملة قد تتعرض لمشكلات تتمثل في احتمال أن يخفي نظام الأسد العديد من دفاعاته الجوية في مناطق آهلة بالسكان في البلاد، مما سيسبب المزيد من الخسائر البشرية بين المدنيين. بمعنى آخر، تذرعت الولايات المتحدة بالسكان والمدنيين، رغم أن طائراتها دون طيار تدك مواقع سكنية في أفغانستان وباكستان، ولا تلقي بالا للسكان في مثل تلك العمليات القذرة، مع اعتراضنا بطبيعة الحال لتعريض المدنيين لأي عمليات عسكرية قد تودي بحياة إنسان واحد. وأشارت الصحيفة إلى أن التدخل العسكري الأمريكي في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا -بلد مسلم آخر- قد يشكل خطرا كبيرا على الولايات المتحدة حيث سينظر إليها فيما بعد بأنها السبب الرئيسي وراء قتل الآلاف من أبناء الشعب السوري جراء هذا القصف، لذا رأت -الصحيفة- أنه ليس هناك من سبب وجيه لهذا التدخل، وعلى واشنطن مقاومة إجراء أي تدخل ما لم يمكن لها أي مصلحة وطنية هناك. والأهم أن ما جاء في الصحيفة الأمريكية فضح واشنطن صراحة، نظرا لما أسفرت عنه نتائج الاستخبارات والتحليلات الأمريكية بأن المعارضة السورية عندما تتمكن من الإطاحة بنظام الأسد القمعي، فهي لن تعير الولايات المتحدة اهتماما.. وبالتالي، لماذا تدعم أمريكا تلك المعارضة في الوقت الراهن طالما أنها لن تستفيد منها لاحقا كعادة الأمريكيين الذين يريدون الاستفادة من كافة المواقع وفي أي وقت. ثم يزعم الأمريكيون أن السبيل الوحيد لدعم المعارضة السورية ليس بالدعم العسكري المباشر وإنما بإمدادهم بالمعلومات المخابراتية بشأن مواقع قوات الأسد وتحركاتها بهدف إنهاء الحرب الأهلية، ولأن مثل هذا الدعم المعلوماتي غير المباشر عسكريا يتفق مع المصالح القومية للولايات المتحدة. والسؤال هنا، إذا كانت أمريكا تتخوف من التدخل عسكريا ليقينها ربما في فشل هذا التدخل والتعرض لفضيحة إذا تعرضت مقاتلاتها أو أسلحتها للانهيار أمام القوة العسكرية للنظام السوري، فكيف يتسنى لجيش يتكون من هواة وبعض المحترفين من هزيمة جيش نظامي عتيق وضخم تموله الدولة نفسها. ثم لماذا تدخلت أمريكا في ليبيا رغم المناطق المأهولة بالسكان ووقوع قصر العزيزية مقر سكن القذافي في قلب العاصمة طرابلس. ولماذا لم يمنعها هذا من قصف القصر ومحيطه السكني بالطائرات العسكرية والصواريخ البحرية عن بعد؟! المؤكد أن أمريكا ترفض التدخل حتى يتعرض الجيش السوري إلى حالة إنهاك تامة وانهيار حتى لا تقوم له قائمة، وبحيث إن نظاما جديد يأتي لا يستطيع مواجهة إسرائيل أو التفكير في استعادة الجولان، لأن هذا الأمر سيتطلب وقتا كبيرا وأموالا ضخمة واستعدادات قد تطول. إجمالا.. فقد رأينا إيران تحاول ابتلاع سوريا كآخر خط مواجهة مع أمريكا والغرب وعلى اعتبار أن سقوط سوريا سيقطع عنها خطوط الإمداد المشبوهة لحزب الله. والحال كذلك، فإن الولايات المتحدة تجتهد أيضاً لابتلاع سوريا الضعيفة بعد سقوط الأسد لتقدمها فريسة سهلة للإسرائيليين. وهنا مكمن المعضلة السورية.