18 سبتمبر 2025

تسجيل

رسالة الباب العالي

05 سبتمبر 2011

لجوئي إلى استخدام الرمز التاريخي للإمبراطورية العثمانية وهو مقر خلافتها في اسطنبول والذي كان يطلق عليه الباب العالي لا يعكس حالة حنين إلى منهجية الحكم التي كانت تستند إليها هذه الإمبراطورية الإسلامية خاصة في عقودها الأخيرة والتي أفرزت حالة من الانقسام والضعف والهشاشة مما سمح للقوى الكبرى في ذلك الزمان البعيد بالانقضاض على جسدها وتمزيقها إلى دويلات وتوزيعها بين قبائل أوروبا بقدر ما تجسد رغبة قوية في استعادة الفعل الإسلامي القوي والموحد في التعامل مع الأعداء والخصوم والذين يتباهون بغطرسة القوة مثلما يفعل الكيان الصهيوني منذ تأسيسه على أيدي القوى الأوروبية أيضاً مضافا إليها القوة البازغة الجديدة الولايات المتحدة في العام 1947 ثمة صحوة لاشك لدى الباب العالي والكائن حاليا في أنقرة وليس اسطنبول والتي تشكل عنصر الإسناد القوي تاريخيا وحضاريا لرجب طيب أردوغان الرجل الذي يتربع على عرش الباب وإن تغير مسماه إلى مقر رئاسة الوزراء بالدولة التركية في انطلاقتها الجديدة التي تحققت مع وصول حزبه العدالة والتنمية إلى الحكم في مطلع الألفية الجديدة وهذه الصحوة لا تتوقف عند حدود الداخل بكل تفاعلاته وتشابكاته بل وتعقيداته وتحقق على هذا الصعيد مردود شديد الإيجابية يلمسه المواطن التركي البسيط قبل النخب في ظل حالة من النمو الاقتصادي الذي يلبي متطلبات الأغلبية فضلا عن حالة الشفافية السياسية ودرجة مقبولة من الأمن بما في ذلك الأمن الاجتماعي. لكن ما يعنيني بالدرجة الأولى هو ما يحققه الباب العالي الجديد تحت حكم رجب طيب أردوغان من فتوحات في السياسة الخارجية وبالذات على صعيد العلاقات مع الكيان الصهيوني وهو ما ينطوي على رسائل واضحة في كيفية إدارة الصراع مع هذا الكيان خاصة بالنسبة للنظام الإقليمي العربي وفي صدارته الدولة المصرية التي تشكل القطب الأهم في هذا النظام. ففي خلال الساعات الثمانية والأربعين الأخيرة أقدم الباب العالي على قرار مذهل يتمثل في طرد سفير الكيان الصهيوني من أنقرة وتخفيض مستوى تمثيله إلى درجة سكرتير ثان فضلا عن وقف العمل بالاتفاقيات العسكرية والتي كانت تشكل العمود الفقري للعلاقات بين الطرفين على العقود الخمسة المنصرمة الأمر الذي يخلق في تقديري معادلة جديدة بوسعها أن تتدحرج ككرة الثلج في المنطقة العربية والتي هي في أشد الحاجة إلى مثل هذه المعادلة لتتخلص من عقد سنوات طويلة ظل فيها الخوف من قوة هذا الكيان ومن يقف وراءه هاجسا يحول دون أي إجراءات رادعة ضده حتى في حالة عدوانه الواضح على الأرض والبشر والحدود لم يخش الباب العالي الجديد من ردود فعل من داخل الكيان أو من القوى الكبرى وبالذات الحليف الأكبر له الولايات المتحدة أو حتى من شركائه في حلف شمال الأطلسي (الناتو). كان يهمه هو الرد على محاولة النيل من الكرامة والسيادة والوطنية التركية ووصل الأمر بوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى التأكيد على أنه: "لا عودة إلى العلاقات الطبيعية قبل أن تقبل إسرائيل بالمطالب التركية " والتي تتمثل في الاعتذار الرسمي وتقديم تعويضات للضحايا الأتراك. وجاء هذا الموقف القوي من قبل الباب العالي تعقيبا على تقرير الأمم المتحدة الأخير بشأن الممارسات الإجرامية التي أقدمت عليها قوات الاحتلال الإسرائيلية في حق أسطول الحرية في مايو من عام 2010 والذي شارك فيه قرابة 750 ناشطا ممثلين عن أكثر من 50 دولة بينهم أكثر من 10 من أعضاء المنتدى والتي أسفرت عن قتل أكثر من 19 من بينهم 9 أتراك وإصابة أكثر من 26 من المتضامنين. واللافت أن هذا التقرير بكل ما انطوى عليه من انحياز واضح لرؤية الكيان الصهيوني خاصة فيما يتعلق بوصفه لحصار غزة بأنه أمر مشروع لم يحالفه الصواب ويسيء لسمعة الأمم المتحدة ويشجع على العدوان والحرب ويمكن أن تتخذه إسرائيل ذريعة لاستمرار حصار غزة ولعل ذلك هو ما دفع الموقف التركي إلى تبني هذه الجملة من القرارات القوية والجريئة والتي لم يتوقعها قادة الكيان والقوى الكبرى والتي سارعت إلى وقف ما وصفته بالتدهور في العلاقات التركية الصهيونية دون أن تقف عند أصل المعضلة المتمثلة في الشراهة العدوانية التي امتدت إلى مواطني دولة صديقة بل واعتبرت في بعض المراحل من حلفاء الكيان قبل حكم حزب العدالة والتنمية الذي أسس لمرحلة مغايرة في أشكال التعاون مع الدولة العبرية وضعتها في مكانها الصحيح بحسبانها مجرد دولة عدوانية ومن تستحق تعاملا قويا في الرد على شراهتها العدوانية التي لم تتوقف عن التمدد أفقيا أو رأسيا وكان آخر تجليات تلك الشراهة اختراق الحدود المصرية وقتل ضابط وأربعة من الجنود بحجة ما وصفته قوات هذا الكيان بأنه مطاردة لعناصر مسلحة دخلت الأراضي المصرية بعد قيامها بالعملية الفدائية النوعية في مدنية إيلات مؤخرا. وثمة تساؤل أظنه مشروعا: ألا يدعو هذا الموقف أمة العرب إلى الاقتداء بالنموذج التركي؟ وحتى أكون أكثر وضوحا ألا يدعو تحديدا صانع القرار في مصر الدولة المحورية في هذه الأمة إلى أن تتحرك وفقا لهذا النموذج؟ ومحاولة للإجابة سأقتبس بضعة سطور من بيان لحزب تحت التأسيس اسمه "التيار المصري" والذي أصدر بيانا دعا فيه السلطة الجديدة في المحروسة والتي تتمثل في المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة الدكتور عصام شرف إلى الاقتداء بالنموذج التركي في إدارة ملف العلاقات الدبلوماسية الدولية والإقليمية بحيث تكون كرامة وسمعة وسيادة مصر هي العليا فوق أي مصالح عاجلة. وذكر البيان أن الأمم ذات العزة والكرامة لن تعدم أن تجد وسيلة للحفاظ على هيبتها وسيادتها ضد من تسول له نفسه أن ينتهك أيا منهما دون الدخول في الحرب، ولا يوجد عاقل في هذا العالم ينادي بالحرب أو يمهد لها إلا في حال انسداد كل الطرق والمسالك لاستعادة الحقوق. وأضاف "أن الدم التركي ليس أغلى من الدم المصري كي يجد من يثأر له، فكل الدماء عند الله سواء" وتابع: "إن السفينة التركية التي هوجمت في البحر ليست أطهر عند الله من أرض سيناء ورمالها المقدسة التي رواها الآباء والأجداد وجنود مصر وضباطها من دمائهم الزكية كي يستردوها ويطهروها من النجس الإسرائيلي". ماذا يعني ذلك؟ إن رسالة الباب العالي في أنقرة تدعو بوضوح إلى تجاوز المواءمات السياسية التي تقود إلى الإجهاز على صدقية الإرادة الوطنية ومن ثم فإن مصر مطالبة بتبني قرارات أكثر قوة وجرأة مما تم اتخاذه في الرد على الفعل العدواني الصهيوني على حدودها ومقتل جنودها مؤخرا تتمثل في ضرورة طرد السفير الصهيوني من عاصمة المحروسة والإسراع بسحب السفير المصري من تل أبيب ووقف كافة أشكال التطبيع التي ما زالت قائمة سواء على مستوى تصدير الغاز الطبيعي إلى الكيان أو عبر اتفاقية الكويز التي يتشارك بمقتضاها رجال أعمال مصريون مع نظراء لهم في الكيان لتصدير منتجات إلى الولايات المتحدة أو غيرها من الأشكال لن أطالب هنا بالسعي إلى إلغاء اتفاقية كامب ديفيد والتي شكلت على 32 عاما نقطة اختراق للأمن القومي المصري بفعل ما تحتوي عليه من بنود جائرة خاصة فيما يتعلق بوجود القوات المسلحة في سيناء فقناعتي أن الوقت ليس ملائما لمثل هذه الخطوة والتي يمكن أن ينظر لها الكيان بحسبانها إعلان حرب ولكن يمكن الضغط بقوة باتجاه تعديل بعض بنودها على نحو يعيد السيادة الوطنية الكاملة على أرض الفيروز سيناء ترقبا ليوم أنا على يقين بأنه آت تلغى فيه هذه الاتفاقية وتستعيد مصر توهجها وإشعاعها القيادي والحضاري على المنطقة. السطر الأخير: أيا عصفورة القلب اسكني في العش لا تبارحيه لا تقذفي بأوراقنا الخضراء كوني سرا للبهجة ولسانا ذاكرا بالمحبة فأنا المغني بحديقة قلبك جئتك عاشقا من بلاد نائية الأطراف ملتمسا شعري في عينيك باحثا عن سندسي فيك قلت إنك المبتدى والمنتهى فكوني ضوءا لا عتمة يؤويني [email protected]