19 سبتمبر 2025

تسجيل

هل وقفت أمريكا مع الانقلاب؟

05 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في افتتاحيتها في الرابع من الشهر الجاري، تقول صحيفة نيويورك تايمز إن الحكومة التركية والمواطنين الأتراك يبحثون بشكل بائس عن جهة ما يمكن إلقاء اللوم عليها وتحميلها مسؤولية الانقلاب الفاشل، وأكثر من ذلك تضيف الصحيفة بأن الأتراك يقومون بذلك عوضا عن إجراء تحقيقات معمقة لمعرفة الحقائق. وتضيف الصحيفة بأن الأتراك يتهمون الولايات المتحدة بالتواطؤ! الحق أن الرئيس أردوغان لم يتمكن من إخفاء مشاعره وهو يتحدث قبل أيام قليلة متهما الغرب عموما بدعم الإرهاب والانقلابات. فالرجل يشعر بأنه طعن في الظهر من جهات كان يفترض أن تكون صديقة لتركيا. وما من شك أن هذه الاتهامات من شأنها أن توقظ موجة من المشاعر المعادية لأمريكا وموافقة شعبية على إجراءات الحكومة التركية التي بدأت بالانقضاض على خصومها "المتورطين" في الانقلاب الفاشل. ما زال الموقف التركي متماسكا خلف مقولة واحدة: المسؤول الأول عن الانقلاب هو فتح الله غولن الذي يقيم في ولاية بنسلفانيا منذ عام ١٩٩٩ وأن الولايات المتحدة تماطل في مسألة تسليمه مما يعني أنها تؤوي من تعتبره تركيا "أسامة بن لادن" بالنسبة للحكومة التركية بطبعية الحال. ورغم نفي فتح الله غولن الاتهامات الموجهة ضده وإصراره بأنه ليس متورطا في الانقلاب إلا أن تركيا حكومة وشعبا تراه المسؤول عن الانقلاب الفاشل! وكأن إيواء فتح الله غولن لا يكفي إذ أن الولايات المتحدة والصحافة الغربية لا تتوقف عن توجيه الانتقادات للرئيس التركي طيب رجب أردوغان. فقبل أيام قليلة عبر الجنرال جوزيف فوتال القائد الأمريكي في الشرق الأوسط عن قلقه عن أثار قيام الحكومة التركية بتطهير الجيش التركي من عدد كبير من الضباط، وهناك عدد من هؤلاء الضباط عمل في السابق مع الأمريكان. وبالنسبة لأردوغان فإن مثل هذه التصريحات تعزز من قناعاته بأن الولايات المتحدة متورطة بشكل أو بآخر في الانقلاب الفاشل. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ وجهت بعض الصحف التركية التهمة لوكالة الاستخبارات الأمريكية بوصفها الجهة التي وقفت خلف الانقلاب. لغاية الآن لم نسمع عن أدلة دامغة تفيد بتورط الولايات المتحدة في الانقلاب الفاشل، وبالنسبة للعديد من الأمريكان فإنه من الصعب تخيل أن يقوم بلدهم بزعزعة استقرار حليف لهم عضو في حلف الناتو يعوّل عليه الأمريكان في الحرب ضد داعش. وبالمقابل، لا يفهم الأتراك عدم قيام الغرب بإدانة الانقلاب بشكل حاسم ومباشر ولا يفهمون أكثر الانتقادات الموجهة ضد الحكومة التركية والمتعلقة بحقوق الإنسان والإجراءات التي قامت بها الحكومة التركية من اعتقالات وتطهير عشرات الآلاف من أجهزة القضاء والجامعات والمدارس والجيش. ربما صعّد الرئيس أردوغان من انتقاداته للولايات المتحدة حتى يجبر إدارة الرئيس أوباما على تسليم فتح الله غولن، فالحكومة التركية سلمت حكومة الولايات المتحدة وثائق بخصوص تورط فتح الله غولن بالانقلاب إلا أن الحكومة الأمريكية التي اعترفت باستلام الوثائق لم تتسلم بعد طلبا رسميا وقانونيا بتسليم فتح الله غولن. وأكثر من ذلك، لا ترى إدارة أوباما بأن هناك دليلا دامغا على أن فتح الله غولن هو المسؤول عن الانقلاب. بتقديري هناك مشكلة ناتجة عن الاختلاف الثقافي بين البلدين، ففي أمريكا هناك حقوق قانونية لفتح الله غولن من ضمنها حقه في البقاء في الولايات المتحدة، وهنا يتعين على وزارة العدل أن تجري تقصيا عميقا قبل أن تقرر تسليم فتح الله غولن، وربما يستغرق الأمر وقتا أكثر بكثير من قدرة الأتراك على الانتظار. ويخشى الجانب الأمريكي من ردة فعل عاطفية أو انفعالية من الرئيس أردوغان، لذلك تم إرسال رئيس أركان القوات المشتركة الأمريكية الجنرال جوزيف دنفورد إلى أنقره للتفاهم مع الأتراك، وتفيد التسريبات الأمريكية بأن الجانب التركي سيستمر في التعاون في الحرب ضد الإرهاب وأن ما جرى لن يقرب تركيا إلى روسيا. فالولايات المتحدة تهتم فقط لمصالحها في العلاقة مع تركيا ولا يبدو أن هناك أي نوع من الكيمياء بين الحكومتين في الوقت الراهن غير أن لغة المصالح المشتركة ستتغلب في نهاية الأمر، فكل طرف يدرك جيدا أن التعاون المتبادل يصب في مصلحته الوطنية. ربما يتساءل الرئيس التركي كيف كان سيكون موقف الإدارة الأمريكية لو أن الانقلاب نجح؟! طبعا لن ترسل أمريكا حاملة طائراتها للتدخل وهي ستتعامل ببراغماتية شديدة مع أي تطور في الوضع، هذه هي أمريكا وهذه هي لغة المصالح التي تعرفها الدول ولا عزاء للضعفاء.