15 سبتمبر 2025

تسجيل

قراءة في نتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي

05 أغسطس 2013

لاشك أن انتخابات مجلس الأمة الكويتي التي أجريت يوم الأحد قبل الماضي شكلت ملمحا مهما في المسار الديمقراطي للبلاد باتجاه تعميقه ودفعه خطوات متقدمة رغم مقاطعة البعض لها وهواجس البعض الآخر من إمكانية وجود خلل دستوري فيها قد يقود إلى الحكم بحل المجلس الجديد الذي تشكل في ضوئها إما بقرار من المحكمة الدستورية أو بمرسوم أميري في حال استمرار التوتر بين المجلس والحكومة التي من المقرر أن يتم الإعلان عنها اليوم الإثنين تمهيدا لعقد أول جلسات البرلمان الجديد غدا الثلاثاء. وجاءت نتائج المعركة الانتخابية لتكشف عن تشكيلة جديدة لمجلس الأمة، تمثل فسيفساء جديدة ومختلفة نوعاً وكمّا عما سبقه من مجالس، وكانت التحديات التي تواجه هذه الانتخابات كثيرة بسبب إقامتها في شهر رمضان، ولكن تحصين الصوت الواحد دستورياً - وفقا لمرسوم أميري قبل أقل من عام - أسهم في رفع المشاركة وإيصالها إلى 52.5 في المائة، مقابل %40 في الاختبار الأول للصوت الواحد في انتخابات ديسمبر الماضي، وأفرزت مجلساً مبطلاً. وأثبت الصوت الواحد أنه سلاح ذو حدين، ففي الوقت الذي منع أي تكتيكات انتخابية أو تحالفات من الممكن أن تؤثر في النتائج، فإنه لم يقضِ على السلبيات السابقة، كشراء الأصوات وظهور العصبيات القبلية والطائفية والمناطقية والعائلية. وإذا كان يحسب للصوت الواحد أنه الوسيلة الملائمة لوصول الأقليات إلى مجلس الأمة، فإنه في الوقت نفسه، قوي الاعتماد على روابط الدم، أو المذهب وأدى إلى شرذمة فئات المجتمع. ويمكن قراءة انتخابات 2013 في ضوء المعطيات التالية: - شهدت تركيبة مجلس الأمة الجديد تغييرًا بنسبة 54% تقريبًا مع تفاوت نسبي في نسب التغيير بين الدوائر الانتخابية الخمس إذ بلغت نسبة التغيير أقصاها في الدائرة الخامسة (80 %)، و(60%) في الرابعة، بينما بلغت (50%) في الثالثة، و(40%) في الدائرتين الأولى والثانية؛ حيث عاد 26 نائبًا من مجلس ديسمبر 2012، و9 نواب انتُخبوا في مجالس سابقة قبله، فيما دخل المجلس 17 نائبًا للمرة الأولى. - عودة للتيار الوطني ممثلا بثلاثة أعضاء: فيصل الشايع ومرزوق الغانم، وراكان النصف ورغم ازدياد عدد النواب الليبراليين في المجلس، إلا أنهم يفتقرون إلى رابط كبير بينهم ولا يجمعهم برنامج واحد. - وجود ملحوظ للتيار الإسلامي السلفي ممثلا في النواب علي العمير وعبدالرحمن ظالجيران، مع توقعات أن ينضم إليهما آخرون قريبون من السلف، كسعود الحريجي وحمود الحمدان وأحمد مطيع العازمي، ليصبح الإجمالي 5 نواب. -غياب واضح لنواب جماعة الإخوان المسلمين في مجلس الأمة الجديد نتيجة مقاطعة كتلتهم المسماة الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) للانتخابات للمرة الثانية على التوالي مما جعل صوتهم خافتا في الفترة الأخيرة وإن كانت هناك دوائر تشير إلى إمكانية أن يقتربوا من بعض النواب المستقلين. - مقاعد الشيعة بلغت 8 مقاعد، موزعة في أربع دوائر‍: 5 مقاعد في الدائرة الأولى فاز بها عدنان عبدالصمد، فيصل الدويسان، يوسف الزلزلة، صالح عاشور، إضافة إلى معصومة المبارك الوزيرة السابقة، في المقابل خسروا مقعدين كانا من نصيب عبدالحميد دشتي وخالد الشطي، ومقعد واحد لخليل الصالح في الدائرة الثانية، بخسارة عدنان المطوع وأحمد لاري، ومقعد في الدائرة الثالثة لخليل عبدالله، بخسارة هشام البغلي، ومقعد في الدائرة الخامسة لعبدالله التميمي، وخسروا مقعد هاني شمس، كما أنهم خسروا مقعد مبارك النجادة في الدائرة الرابعة. وتعد هذه النتيجة وفق المراقبين معقولة، ولا يمكن اعتبارها خسارة عن نتائج المجلس السابق المبطل دستوريا وكان للشيعة فيها 17 مقعداً، نظراً لظروف المقاطعة. - كان التراجع الواضح لعدد النساء المترشحات لانتخابات مجلس الأمة مؤشراً لعزوف وعدم حماسة العنصر النسائي في خوض الانتخابات الحالية، مما أسهم في اقتصار مقاعدهن على مقعدي معصومة المبارك وصفاء الهاشم، بتراجع مقعد عن المجلس المبطل. - تراجعت - المقاطعة كثيرا، بعد صدور حكم المحكمة الدستورية فارتفعت المشاركة في جميع الدوائر، كما شاركت قبائل العوازم والمطران والعجمان في الانتخابات، حيث حصلت قبيلة العوازم على 5 مقاعد: 2 في الدائرة الأولى بفوز مبارك الحريص ومحمد الهدية، و3 في الدائرة الخامسة كانت من نصيب حمدان فنيطل وسيف العازمي وأحمد مطيع، أما قبيلة مطير فحصلت على مقعدين في الدائرة الرابعة لماجد موسى وحسين قويعان، بالمقابل حققت قبيلة العجمان مقعداً واحداً كان من نصيب محمد الحويلة. وثمة معطيات ستكون حاكمة لمستقبل المشهد السياسي في الكويت خلال الفترة المقبلة، والتي يرى الباحث في شؤون الخليج محمد بدري عيد أنها ستحدد بدورها مسار ومصير مجلس الأمة الجديد تتجسد بالدرجة الأولى في مدى استقرار العلاقة بين الحكومة والمجلس المقبلين وهو ما شدّد عليه الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الحكومة المستقيلة عقب إعلان الانتخابات، وهو ما يقتضي أن تشهد "المرحلة الحالية تعاونا إيجابيا بين الجميع لتعويض ما فات من هدر للوقت والإمكانات، وأن تكون الجهود خلال الفترة القادمة مليئة بالإنجاز في جميع المجالات والميادين. ولاشك أن مستوى هذا التعاون المأمول بين السلطتين من عدمه سيكون رهنا بأمرين رئيسيين: أولهما: طبيعة تشكيلة الحكومة الجديدة التي كلّف أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، رئيس الوزراء ذاته الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح بإعادة تشكيلها؛ حيث إن وجود وزراء تكنوقراط أكفاء سياسيًا من شأنه أن يساعد الحكومة المقبلة على تحقيق إنجازات ملموسة ترفع شعبيتها لدى الرأي العام الكويتي ويجنّبها مخاطر تعرض وزرائها للاستجوابات من جهة، ويجعلها قادرة على التعاطي الإيجابي مع النواب من جهة أخرى. أما الأمر الآخر الذي سيحدد طبيعة التعاون الحكومي النيابي من عدمه فيتمثل في مدى المرونة السياسية التي سيتمتع بها ويبديها النواب الجدد في التعامل مع الحكومة وتقييم أدائها، وما يرتبط بذلك من الرصانة والتدرج والتمهل في تفعيل أدوات الرقابة الدستورية البرلمانية لا سيما الاستجواب. السطر الأخير: يارب في آخر أيام الشهر الكريم أنقذ المحروسة، صب عليها من مطر أمنك وسكينتك لا تخذل شعبها، أعد لها عافية وحدتها التي تمزقت بفعل انشطار الساسة، لا تتركها لهم لقمة سائغة يمزقونها بخلافاتهم.