14 سبتمبر 2025
تسجيلبعد ثلاث سنوات من مواجهة ساخنة تزعمتها بعض شركات الطيران الأوروبية والكندية وشركة طيران "كوانتاس" الأسترالية ضد شركات الطيران في دولة الإمارات وقطر واتهامها بأنها تعمد إلى سياسة حرق الأسعار بفضل الدعم الذي تتلقاه من حكوماتها، عادت هذه الشركات لتطرح وجهة نظر عملية وموضوعية تتعلق بالتعاون مع شركات الطيران الخليجية. لقد وصلت هذه الحملة ذروتها عندما اتهم أحد المسؤولين الألمان دول مجلس التعاون الخليجي، قائلا "إنهم يجيدون فقط استخدام أموال النفط لإقامة شركات طيران في الصحراء"، إذ يبدو أنه لم يقم بزيارة أي من دول المجلس ليرى المدن الحديثة التي تضاهي المدن الأوروبية من كافة النواحي، ومع أنه اعتذر لاحقا عن هذا التصريح والذي يعبر عن مدى انزعاج الشركات الغربية من النجاح الذي حققته طيران الإمارات والاتحاد والقطرية على المستوى العالمي. التوجه الجديد من قبل شركة "كوانتاس" التي كانت الأكثر انتقادا للشركات الخليجية، والرامي إلى التعاون مع طيران الإمارات بشأن إقامة تحالف وفق صحيفة "فايننشال ريفيو الأسترالية" سيتيح لشركة الطيران الأسترالية التي تتكبد خسائر مستمرة الوصول إلى عدد أكبر من المدن والاستفادة من مركز عمليات طيران الإمارات في الشرق الأوسط. ومع أن هذا التعاون إذا ما تم لا يعني الاستحواذ، كما أكد سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم الرئيس الأعلى لطيران الإمارات، إلا أنه في الوقت نفسه سبق لشركات الطيران الخليجية أن استحوذت في السنوات القليلة الماضية على نسب مهمة من حصص شركات طيران أوروبية، كمساهمة الاتحاد في طيران برلين والتي تعتبر ثالث أكبر شركة طيران في أوروبا، حيث أتاح ذلك للشركة الألمانية الاستفادة من موقع أبوظبي لزيادة عدد الركاب من ألمانيا وأوروبا إلى شرق آسيا، كما أن الاتحاد تساهم في شركة طيران سيشل، مما يعزز من مواقع شركات الطيران الخليجية في حركة النقل الجوي الدولية. مثل هذا التوجه التعاوني من قبل الشركات الغربية والأسترالية يعتبر توجها عقلانيا ويعبر عن التغيرات التي تجتاح قطاع الطيران والنقل الجوي في العالم، فالشركات في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط تنمو بمعدلات كبيرة بلغت 16.5% في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 2012، وهو أعلى معدل نمو في العالم وفق المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي "توني تايلر"، مقابل 5.6 في أوروبا و1.3 في الولايات المتحدة الأمريكية. وعودة للتعاون المرتقب بين "كوانتاس" والإمارات، فإن ذلك سيتيح إمكانات كبيرة للشركتين، حيث يمكن لطيران الإمارات التوسع في السوق الأسترالية بعد قرارها فتح محطتها الخامسة في مدينة "أديلايد"، كما أن الشركة الأسترالية سوف تتمكن من نقل محطة عبورها إلى أوروبا من سنغافورة إلى دبي، مما يفتح أمامها الاستفادة من النمو الكبير لحركة النقل الجوي في المنطقة، إذ يمكن لهذا التعاون أن يشكل درسا للحكومة الكندية التي ما زالت تفرض قيودا مشددة أمام شركات الطيران الخليجية للتوسع في كندا. ويؤسس مثل هذا التوجه الجديد لعلاقات طبيعية تخدم كافة الأطراف، فالنجاح الذي حققته شركات الإمارات وقطر لا يعتمد على الدعم الحكومي وحده، كما روجت الشركات المنافسة، وإنما هناك تسخير لفرص فرضتها عوامل لوجستية وجغرافية وسياسات اقتصادية صحيحة حولت شركات الطيران في الدولتين إلى أكثر شركات الطيران نموا وربحية في العالم. وكدليل على هذا التقدم، فإن قطاع الطيران والسياحة يشكل في الوقت الحاضر نسبة كبيرة من الناتج المحلي للدولتين الخليجيتين، ففي دولة الإمارات يساهم هذا القطاع بنسبة 15% من الناتج المحلي في الوقت الحاضر، مقابل نسبة لا تتعدى 7% قبل عشر سنوات، مما يعد إنجازا على طريق تنويع مصادر الدخل الوطني. لقد أضحى الطابع المعلوم لنشاط الشركات، بما فيها شركات الطيران أمر من الصعب إيقافه أو عرقلته لأنه باختصار يملك قوة دفع تجارية كبيرة، كما أنه يصب لصالح المستهلك والمسافر، إذ يمكن في هذا الجانب ملاحظة عدد المسافرين المستخدمين لخدمات الشركات الخليجية في تنقلاتهم بين الأمريكيتين وأوروبا من جهة وآسيا وأستراليا من جهة أخرى. من هنا، فإن شركات الطيران الغربية والأسترالية يمكنها الاستفادة من الموقع الإستراتيجي للمطارات الخليجية وتعزيز التعاون مع شركات الطيران في دول مجلس التعاون، وذلك بدلا من المواجهة السابقة والتي لم تحقق النتائج المرجوة ويمكن أن تسبب أضرارا غير محسوبة في ظل العولمة وانفتاح الأسواق والأجواء أمام حركة التجارة والأعمال في العالم.