14 سبتمبر 2025
تسجيل(إسرائيل التي عرفناها إلى زوال)! هذا الاستنتاج ليس من أقوال حماس أو الجهاد و ليس ادعاء «معادين للسامية» بل تؤكد حقيقته هجرة جماعية لليهود من الدولة العبرية (350 ألفا منذ الطوفان) و تعززه استقالات وزراء و سفراء إسرائيليين من مناصبهم ثم فشل سياسة التعتيم و التمويه التي تمارسها حكومة اليمين المتطرف مضافة اليها فوضى المظاهرات اليومية التي تعج بالاف الشباب الإسرائيلي الى جانب مشاهد انتفاضة طلاب العالم ضد حرب الإبادة فهذه العبارة إذن هي عنوان مقال كتبه الصحفي والمحلل صديق إسرائيل (توماس فريدمان) مباشرة بعد الانتخابات التشريعية يقصد بتلك العبارة أن تكون بمثابة تحذير للفت الانتباه إلى مدى مخاطر تطرف هذا الائتلاف وأضاف الصحفي الأمريكي أن الكثيرين «لم يوافقوني الرأي وأعتقد أن تطورات الأحداث أثبتت خطأهم بعد أن أصبح الوضع الآن أسوأ من ذي قبل فإسرائيل التي عرفناها تسعى إلى زوالها وهي اليوم تواجه خطرا وجوديا وأوضح الأسباب التي تدفعه إلى هذا الاعتقاد ومن بينها أن إسرائيل تواجه قوة إقليمية عظمى متمثلة في إيران التي تمكنت من وضع إسرائيل «في كماشة» باستخدام من وصفهم بوكلائها في المنطقة كما يذكر فريدمان أن إسرائيل لا تملك ردا عسكريا أو دبلوماسيا، وإزاء هذه التطورات يقول الصحفي الأمريكي إن رئيس الوزراء لم يجد مناصا من أن «يبيع ضميره» ليشكل حكومة مع متطرفين يمينيين يصرون على أن إسرائيل يجب أن تقاتل في غزة حتى «النصر التام» بقتل آخر عنصر من حماس، ويرفضون أي شراكة مع السلطة الفلسطينية «لأنهم يريدون سيطرة إسرائيلية على كل الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك غزة ووفقا لفريدمان، فإن نتنياهو فعل ذلك من أجل البقاء في السلطة لتجنب احتمال إيداعه السجن بتهم تتعلق بالفساد ويتابع أنه مع انهيار مجلس الحرب الإسرائيلي المصغر بسبب افتقاره إلى خطة لإنهاء الحرب والانسحاب الآمن من غزة فإن المتطرفين بالائتلاف الحاكم يخطون خطواتهم التالية من أجل السيطرة على السلطة وعلى الرغم من أن هؤلاء المتطرفين تسببوا في كثير من الضرر بالفعل -كما يعتقد فريدمان- فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن، واللجنة الأمريكية (أيباك) الإسرائيلية للشؤون العامة تناسوا هذه المخاطر التي تهدد مصير إسرائيل ووجودها وانتقد كاتب المقال قرار رئيس مجلس النواب مايك جونسون وزملاءه في الحزب الجمهوري بدعوة نتنياهو لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة بالكونغرس يوم 24 يوليو المقبل. وأشار إلى أن الهدف غير المعلن من هذه الدعوة هو إحداث شرخ بين أنصار الحزب الديمقراطي من شأنه أن يُنَفِّر الناخبين والمانحين اليهود الأمريكيين ويجعلهم يتحولون إلى التصويت لصالح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية وبحسب المقال فإن نتنياهو يدرك أن هذا كله يتعلق بالسياسة الأمريكية الداخلية ولهذا السبب فإن قبوله دعوة التحدث أمام الكونغرس لا يعدو أن يكون تصرفا ينطوي على «الغدر» بالرئيس بايدن الذي كان قد هرع إلى إسرائيل للإعراب عن وقوفه معها بعد هجوم حركة حماس عليها في السابع من أكتوبر ويرى فريدمان أن إسرائيل بحاجة إلى حكومة معتدلة واقعية يمكنها أن تخرجها من هذه الأزمة متعددة الأوجه، لافتا إلى أن ذلك لن يتحقق إلا بالإطاحة بنتنياهو من منصبه بانتخابات جديدة غير أن الأمر المفاجئ -في مقال نيويورك تايمز- أن فريدمان يؤيد فكرة السماح لرئيس حركة حماس في غزة، يحيى السنوار بإدارة القطاع بعد أن تضع الحرب أوزارها. ويبرر ذلك بأن الخيار المطروح في الوقت الحالي (أن تدير إسرائيل القطاع أو تصبح غزة صومالا آخر) هو بديل في نظره أسوأ بكثير ووصف اقتراح نتنياهو بأن يدير القطاع «فلسطينيون مثاليون» لا ينتمون إلى حماس أو السلطة الفلسطينية، نيابة عن إسرائيل، هو ضرب من الخيال. وأضاف أن الشعب الوحيد القادر على هزيمة حماس هم الفلسطينيون في غزة. أما الشهادة الثانية فهي ما نشرته أكبر المجلات السياسية الأمريكية (فورين افارس) يوم 22 يونيو 24 من تحليل معمق ونزيه كتبه عالم السياسة الأمريكي (روبرت بيب) المحاضر في أعرق الجامعات حول شؤون الأمن فقال: “ان العيب الرئيسي في إستراتيجية إسرائيل ليس فشل التكتيكات أو فرض قيود سياسية وأخلاقية على القوة العسكرية بل هو الفشل الشامل والصارخ في فهم مصادر قوة حماس واعتبر أن إسرائيل أخفقت على نحو يضر بها كثيرا في إدراك أن المذبحة والدمار اللذين أطلقتهما في غزة لم يؤديا إلا إلى زيادة قوة حركة حماس ويستمر الكاتب في تقييمه ليقول إن حماس تشن حاليا حرب عصابات تتضمن كمائن وقنابل يدوية الصنع (غالبا ما تكون مصنوعة من ذخائر غير منفجرة أو أسلحة تعود للجيش الإسرائيلي) وقد تطول هذه الحرب حتى نهاية عام 2024 على الأقل كما أن حماس يؤكد (بيب) لا يزال بإمكانها أن تضرب إسرائيل ولا يزال أكثر من 80% من شبكة الأنفاق تحت الأرض التابعة لها قابلة للاستخدام للتخطيط وتخزين الأسلحة، وتجنب المراقبة الإسرائيلية، وللاستيلاء والهجمات. ولا تزال معظم القيادة العليا لحماس في غزة سليمة. وباختصار فإن الهجوم الإسرائيلي السريع في الخريف أفسح المجال لحرب استنزاف طاحنة من شأنها أن تترك لحماس القدرة على مهاجمة المدنيين الإسرائيليين ويوضح عالم السياسة الأمريكي أن قوة حركة مثل حماس لا تأتي من العوامل المادية النموذجية التي يستخدمها المحللون للحكم على قوة الدول مثل حجم الاقتصاد والتطور التكنولوجي للجيوش ومقدار الدعم الخارجي الذي تتمتع به وقوة الأنظمة التعليمية بل المصدر الأكثر أهمية لتلك الحركات هو القدرة على التجنيد وخاصة قدرتها على جذب أجيال جديدة من المقاتلين والعناصر الذين ينفذون الحملات القاتلة وعلى استعداد للموت من أجل القضية. وهذه القدرة على التجنيد متجذرة في نهاية المطاف في عامل واحد: وهو حجم وشدة الدعم الذي تستمده المجموعة من مجتمعها وقال إن حماس تتمتع حاليا بالتفاف شعبي كبير حولها مما يساعد في تفسير عدم قيام سكان غزة بتقديم المزيد من المعلومات الاستخباراتية للقوات الإسرائيلية حول مكان وجود قادة الحركة والرهائن الإسرائيليين يرى الكاتب أن الدعم للهجمات المسلحة ضد المدنيين الإسرائيليين ارتفع بشكل خاص بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وهو الآن على قدم المساواة مع المستويات العالية باستمرار من الدعم لهذه الهجمات في غزة مما يدل على أن حماس حققت مكاسب واسعة النطاق في المجتمع الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر وأشار إلى أن العقوبة الإسرائيلية الفظيعة لسكان غزة لم يكن لها تأثير رادع كبير بينهم بل فشلت في الحد من دعمهم للهجمات المسلحة ضد المدنيين الإسرائيليين ودعمهم لحماس وفق تعبيره وقال (بيب) إن الوقت قد حان بعد 9 أشهر من الحرب الشاقة للاعتراف بالواقع الصارخ: السبيل العسكري وحده لا يهزم حماس فهي أكثر من مجموع العدد الحالي للمقاتلين كما أنها أيضا أكثر من مجرد فكرة مثيرة للذكريات. حماس حركة سياسية واجتماعية ليست على وشك الهزيمة ولن تختفي في أي وقت قريب وقضيتها أكثر شعبية وجاذبيتها أقوى مما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر وسيستمر مقاتلوها في التدفق والمشاركة بالقتال بأعداد أكبر وسيزداد تهديدها لإسرائيل. هذه تحاليل مفكرين واعلاميين نزهاء فضلوا تحذير إسرائيل بمعطيات حقيقية من خطر الزوال لأن هذا الكيان الغاصب المحتل أصبح في قلب خطر وجودي كما تنبأت له الكتب السماوية حين يبلغ درجة الطغيان والظلم.