16 سبتمبر 2025

تسجيل

تحويل بابا إلى خاتم

05 يوليو 2022

أصيب الجيولوجي البريطاني برايان تاندي بنوبة قلبية شديدة أودت بحياته، فرحل عن الدنيا مخلفاً أرملة وبنتين، هما جيل البالغة من العمر 23 سنة، وكلير ذات التسعة عشرة سنة، ومن فرط حبهما لأبيهما الراحل فقد قررت البنتان الاحتفاظ به قريباً منهما بالمعنى الحرفي للكلمة، وما حدث هو وعلى ذمة البنتين أنهما استردتا – أو هكذا زعمتا- والدهما المتوفى، وهو يلمع ويتوهج ويتلألأ، والسر في ذلك أن كلير وجيل كانتا قد قامتا بحرق جثة الوالد العزيز، ثم تسليم الرماد الناجم عن الحرق إلى شركة "لايف جم"، وتعني "درَّة الحياة" لتحويله إلى قطعتي ماس يتم تثبيتهما في خاتمين ترتديانهما الفتاتان، وما يحدث هو أن الشركة تقوم باستلام رماد المتوفين وتسخينه في فرن يحتوي القليل جداً من الأوكسجين، للتخلص من الشوائب وبعدها يتم تحويل الفحم إلى جرافايت، وهو الكربون الطري الذي تصنع منه أقلام الرصاص بالتسخين على درجات حرارة عالية للغاية، ثم يوضع مسحوق الجرافايت في جهاز ضغط قوي بمعدل 900 ألف باوند (رطل إنجليزي) للبوصة المربعة، ويُعرّض لحرارة تبلغ 3000 درجة، ويستغرق إنتاج قطعة ماس من المتوفى عدة سنوات، تظل خلالها بقاياه تتعرض للتسخين والضغط والضرب عدة مرات، يعني بابا برايان تاندي ظل يتعرض لـ "الشوي" على مدى سنوات حتى "استوى"، وأصلا الماس الأصلي ينتج عن كربون ظل مضغوطاً ويتعرض لحرارة عالية في جوف الأرض لآلاف السنين. وقد افتتحت شركة لايف جم وهي أمريكية فروعاً لها في بريطانيا وعدد من الأقطار الأوروبية، وبما أننا مولعون بالتداوي في بريطانيا رغم أن النظام الصحي فيها لم يعد افضل حالاً من النظام الصحي في أي بلد أفريقي، فإنني انصح كل قارئ يتم إبلاغه بأن عزيزاً لديه توفي في بريطانيا ودفن هناك أن يتوجه إلى الشرطة ليتم نبش القبر للتأكد من أن "المرحوم" مدفون فعلاً بكامل هيكله العظمي، أو إخضاع من رافقوا المريض خلال رحلة طلب الاستشفاء للمراقبة لسنوات، للتأكد من انهم لا يملكون قطعا من الماس!، وطالما أن إنتاج الماس من جثة الميت ممكن، فعلينا فرض حراسات مشددة كالتي يحظى بها البيت الأبيض الأمريكي على المقابر، كي لا تقوم عصابات بسرقة جثامين الموتى وحرقهم بقصد الإثراء بتحويلهم إلى ماس!، (في روسيا تعاني الشرطة من سرقة مقابر النساء، حيث اتضح أن لصوصاً يرصدون الموتى من النساء ذوات الشعر الطويل وفور انصراف المشاركين في التشييع والدفن ينبش اللصوص الجثامين ويجزون الشعر لعرضه للبيع)، والمقرف في حكاية الراحل العزيز برايان تاندي أن أرملته وبنتيه يزعمن أن بهدلة بقاياه وتحويلها الى فصين من الماس "سيجعل الراحل يحس بالسعادة"، لأنه سيبقى لصيقاً بالبنتين، لأنه سيكون خاتماً في أصبع كل منهما، والرجل قد يقبل طوعاً أو كرهاً أن يكون "خاتماً" في إصبع زوجته، بل وشبشبا في رجلها، ولكنني لا أعرف رجلا يقبل أن يكون خاتماً في إصبع بنته. حققت العلوم فتوحات كبيرة في السنوات الأخيرة خاصة في مجالات الطب والصحة والتكنولوجيا، ولكن معظمها خضع لشروط العولمة التي تحيل كل شيء إلى سلعة، وآخر صرعة هي تحويل جثث المتوفين إلى أحجار كريمة للزينة!، نعرف جميعا أنه لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها، وهو المنطق الذي يجعل الكثيرين لا يمانعون في نقل أعضائهم بعد وفاتهم إلى أشخاص آخرين يعانون من علل مستعصية، ولكن حكاية تاندي الذي تحول إلى خاتم تجعلني أقشعر من فكرة أن يحمل شخص أعضائي بعد موتي، ماذا مثلاً لو نقل الأطباء كبدك إلى شخص يقوم بمجرد تعافيه بتلويثها (كبدك) بالمشروبات الكحولية الرخيصة المغشوشة (هنا أجاري من يزعمون أن الكحوليات غالية الثمن لا تضر الكبد!!)؟ ماذا يقول الناس عنك لو تم نقل قرنيتك إلى شخص فاسترد بصره وبات يستخدم تلك القرنية في متابعة برامج "إباحية"، ومعاكسة بنات الناس في الأسواق؟، أو ذاك الذي تنتقل إليه رئتك فيلوثها بالنيكوتين والقار؟. [email protected]