15 سبتمبر 2025
تسجيلفضل كلام الله تعالى على كلام خلقه، حقيقة ظاهرة مسلَّمٌ بها، لا تقبل الامتراء، فضلاً عن النقاش والمراء، فكتاب الله القرآن، أفحم أهل الفصاحة والبيان، من كانت لهم العربية سليقةً ولسانا، وبلغ رتبة من الإعجاز والإتقان، يعجز معها عن الإتيان بمثله الثقلان، الإنس والجان، ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً ومِعوانا.من سنن الله سبحانه في ملكه، تفضيل بعض الأشياء على بعضها، كتفضيل أمكنةٍ على أمكنة، وأزمنةٍ على أزمنة، وبعض الناس على بعض، بل حتى تفضيل الرسل على بعضهم،(تلك الرسلُ فضلنا بعضهم على بعض...) الآية، ومن جملة ذلك تفضيله تعالى بعض كلامه على بعض، من سورٍ وآيات.من تلك السور، سورة الإخلاص، التي صح في الحديث، أنها تعدل ثلث القرآن، وذلك في معناها أخذاً بقول العلماء الأصح والأقرب إلى العقل والصواب؛ لأن معاني القرآن تنقسم إلى ثلاثة أقسامٍ رئيسةٍ أصلية، هي توحيد وأحكام وقَصَص، فاشتملت هي على التوحيد،(قل هو الله أحد) هذا هو الرأي، لا أن تكون قراءتها تعدل قراءة أو ثواب قراءة ثلث القرآن، ويترتب عليه، أنك إذا قرأتها ثلاث مرات تكون قد ختمت القرآن، يؤيد ذلك القول أن كل سور القرآن سميت بكلمة ذكرت فيها، ما عدا هذه السورة، سمّيت باعتبار ما فيها من معنى، إشارةً إلى معنى التوحيد العظيم الذي هو أساس عقيدة الإسلام، وبه يَخْلُص دين المسلم لله، لذلك سميت بسورة الإخلاص.كما اشتملت أيضاً على صفة الله جل وعلا، بأنه صمد، يُصْمَد إليه في جميع الحوائج، أي يُقْصد لكونه وحده قادراً على قضائها، صفةٌ لا تنبغي إلا له سبحانه، لم يلد ولم يولد، أي لم يصدر عنه ولد، ولم يصدر جل شأنه عن شيء، ولم يكن له كُفُواً أحد، بضم الكاف والفاء، أي مكافئاً ومماثلاً، وختمت كل آية، بفاصلة مشتركة، هي حرف الدال، الذي يقلقل بالضغط عليه، كأنك بذلك تشدد على آخر كل آية بلسانك، ليتأكد معناها في نفسك، لأهميتها من معانٍ تحمل توحيد الله وصفته، التوحيد الذي ما أُرسلت الرسل، وما أُنزلت الكتب، وما شُرعت الشرائع إلا من أجل غرسه في نفوس الخلق، التوحيد الذي يجعلك تفْرِد الله في أربعة أمور، في العبادة والتوكل والخوف والرجاء، فبالتوحيد الإخلاص، ومعه الخَلاص بمشيئة الله تعالى يوم الحساب، قال سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).