17 سبتمبر 2025

تسجيل

العافية في اللسان

05 يوليو 2015

اللسان وخروج الكلام منه وما يسبقه من التقاء الأحبال الصوتية وخروج الكلام صافياً مفهوماً واضحاً بيناً، فلا لتغة ولا لكنة ولا إخفاء للحروف أو بعضها ولا لحناً، هذه نعمة ربانية جليلة وهذه عافية حسية في حد ذاتها، قال تعالى: (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان). قال العلماء: علمه الإفصاح عما في الضمير.ولك أن تنظر إلى من منعه الله الكلام أو لم يستطع الكلام إلا مكسراً مفرقاً غير مفهوم، لتعلم نعمة الله عليك بنعمة وعافية الكلام، (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين).كان رسول الله أفصح الناس، إذا تكلم أمكن لسامعه أن يعد كلماته.فالعافية في اللسان أن يقدر الإنسان النعمة بطلاقة لسانه وحسن كلامه وعذوبة منطوقه، فلا يقول إلا خيراً (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).. حديث صحيح.وباللسان يكسب المرء الحسنات كما يبتلى بالسيئات ما لا يمكن حصره، وذلك بقراءة القرآن وذكر الله وتسبيحه وتحميده وتكبيره واستغفاره وهذا كله يكون باللسان.يقول رسول الله: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف).العافية في اللسان أن يعلم الإنسان أنه مخبوء تحت لسانه فإذا نطق عرف بين الناس فقوموه ووزنوه، عاقل ورشيد أم خفيف وسفيه، مقدم أم مؤخر، مؤمن أم كافر، صادق أم كاذب.ولهذا نصح رسول الله بإمساك اللسان وحفظه وحراسته والتريث قبل النطق والكلام، يقول لمعاذ بن جبل: (كف عليك هذا)، يعني لسانك، وقال: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة).وقال لعقبة بن عامر: (أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)، وقال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما تبين فيها يزل بها في النار سبعين خريفاً).العافية في اللسان أن يعلم الإنسان أنه في إمكانه حفظ نفسه عن الحرام والظلم والزنى والسرقة والخمر ومن النظر الحرام ولكنه لا طاقة له وليس في إمكانه حفظ لسانه وحركاته إلا من رحم ربي، فتجد الرجل المتدين الذي يشار إليه بالبنان لتدينه والتزامه يقول الكلمة التي تهز الجبال الرواسي، تقول عائشة رضي الله عنها: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا – تعني قصيرة – فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)، فليثمن العاقل كلامه قبل التلفظ به ويزنه بميزان الشرع، خاصة ذا الهيئات والمسؤولية ومن جعل الله تعالى حوائج الناس تحت أيديهم.العافية في اللسان أن يحذر المرء من التلفظ بما حرم الله تعالى كالكذب والطعن في الناس وإلقاء الأوصاف عليهم والخوض في نياتهم، كالذين يكفرون المسلمين بغير وجه حق، يقول الله تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)، وقال رسول الله: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه).وكذلك يدخل في هذا الوعيد قول البعض يا متطرف يا إرهابي، أو هذا إرهابي وهذا متطرف، لأن المتطرف اليوم في الدنيا يُعد مجرماً خبيثاً، يقول معاذ بن جبل: وإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟ فقال: (ثكلتك أمك –يعني فقدتك أمك – دعاء لا يراد منه حقيقته ولكن يراد به الزجر والتحذير – وهل يكب الناس على مناخيرهم إلا حصائد ألسنتهم)، رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، حتى أن كلمة السوء تؤثر في النفس ولا تُنسى وتبقى عند المجروح ما شاء الله أن تبقى، يقول الشاعر:تبرأ الجروح ولو كانت قواتلة — وكلمة السوء لا تبرأ من الكبدوقال آخر: جراحات السنان له التآم – ولا يلتأم ما جرح اللسانوأكبر العوافي في اللسان أن يسلم اللسان من التقول على الله ورسوله، ويدخل في هذا الفتاوى وتفسير الآيات والأحاديث بما يتعارض معها ومما لا يليق بها، وهذا من تلبيس الشيطان، يقول تعالى: (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) متفق عليه، وقال: (من كذب عليَّ يلج النار)، يعني يدخل النار، فخطورة اللسان كبيرة جداً، فقد يلقي اللسان بصاحبه في غيابة الجب وقد يلقيه في النار أو قال كفراً أو اعتقده، يقول الله تعالى: (ولقد قالوا كلمة الكفر)، وقال عن أهل النار وسبب دخولهم فيها: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين)، يعني نتكلم فيما لا نعلم أو نتكلم في الباطل.كما تدخل تحت هذا الوعيد السخرية بالدين وسنة سيد المرسلين وعباد الله الصالحين، يقول تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). وكان المنافقون يسخرون من رسول الله والصحابة ويقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أكذب ألسناً وأجبن عند اللقاء وأرغب بطوناً.