13 سبتمبر 2025
تسجيلاليونان دولة أوروبية مسيحية غربية، بل هي أساس الحضارة الغربية، وهي التي اخترعت الديمقراطية، وأنطقت العقل، ومع هذا، فإن كل ذلك لم يشفع لها في مواجهة وحوش المال، من أحفاد شيلوك والرأسمالية المتوحشة، الذي وضعوا الشعب اليوناني على المذبح لسفك دمه، من أجل الفضة والذهب، بعد أن غرق في الديون، ووجهوا للحكومة اليونانية إنذارا بالدفع أو مواجهة الموت إفلاسا وجوعا وبطالة، وهو ما رفضته الحكومة اليونانية وتحدته بدعوة الشعب إلى استفتاء اليوم لرفض الإنذار الأوروبي ورفض شروط صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي.هذا التصرف الوحشي من قبل الرأسمالية الأوروبية ليس غريبا ولا جديدا، لأنه مارسته ضد عدد كبير من شعوب العالم، ولكنه المرة الأولى التي يكون ضد دولة أوروبية بهذه القسوة، التي دفعت الحكومة اليونانية إلى اتهام أوروبا بممارسة الإرهاب ضد اليونان وعبر عن وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس بقوله: "ما يفعلونه مع اليونان له اسم هو: الإرهاب". وأضاف: "لماذا أجبرونا على إغلاق البنوك؟ لترهيب الشعب، وعندما يتعلق الأمر بنشر الرعب فهذا يعرف بأنه إرهاب".الإرهاب الذي تمارسه أوروبا وصناديق الديون وعلى رأسها صندوق النقد الدولي تفرض على اليونانيين إجراءات تقشف قاسية، تتضمن رفع الضرائب وخفض الرواتب والمعاشات التقاعدية. وخفض النفقات على التعليم والصحة والإعانات الاجتماعية.من الناحية العملية باتت اليونان منذ الثلاثاء متخلفة عن تسديد ديونها بعد عجزها عن تسديد 1.5 مليار يورو لصندوق النقد الدولي، إضافة إلى تسديد 3.5 مليار يورو للبنك المركزي الأوروبي في 20 من الشهر المقبل، وهو الأمر الذي لا تستطيع اليونان فعله.إذا صوت اليونانيون بـ"لا" في استفتاء اليوم على شروط أوروبا وصندوق النقد الدولي، فهذا قد يدخل أوروبا في عنق الزجاجة، فهذه النتيجة قد تفتح الباب أمام اليونان للخروج من منطقة اليورو، مما سيخلط أوراق الاتحاد الأوروبي ويعرضه لهزة كبيرة، وسيعرض أوروبا لسلسلة من الهزات الاقتصادية، دون أن يعرف أحد إلى أين يمكن أن تصل الأمور، وذهب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إلى القول: إن التصويت بلا في الاستفتاء يعني "لا" لأوروبا.التداعيات المباشرة للمواجهة بين اليونان والاتحاد الأوروبي، ربما تؤدي إلى تعطيل نظام الدفع في البنوك اليونانية وتوقف أجهزة الصراف الآلي ووقف العمل ببطاقات الائتمان، وهو الأمر الذي قد يدفع الحكومة اليونانية إلى إصدار عملة موازية تلغي اليورو، الأمر الذي سيؤدي إلى التضخم وانهيار نظام الادخار وعدم القدرة على دفع المرتبات والمعاشات التقاعدية، وقد يصاب الاقتصاد اليوناني كله بالشلل، وهو خطر سيتحول على عدوى تصيب أوروبا كلها.هذه الحقائق المرعبة دفعت نيشي فيندولا، زعيم المعارضة اليسارية الإيطالية من حزبي الخضر والحرية، إلى الدعوة للتضامن مع اليونان في مواجهة "المجزرة الاجتماعية" التي أمرت بها بروكسل وباركتها برلين".ما يجري مع اليونان درس لكل الدول المدينة في العالم، خاصة العالم العربي الغارق في الديون، فإذا كانت الرأسمالية الغربية المتوحشة تعاملت مع اليونان بهذه القسوة، فكيف يكون الحال إذا عجزت دولة عربية عن تسديد ديونها.الرسالة الرأسمالية المتوحشة لأوروبا "شمال اليورو" بقيادة ألمانيا، كما بات يطلق عليها، وصلت إلى الجميع، لأنهم أرادوا أن يلقنوا اليونان درسا وأن يجعلوها عبرة لمن يعتبر في العالم، وأن "يربوا" كل الشعوب التي تفكر بالتمرد على الدائنين والصناديق الشيلوكية. على العالم العربي أن يحذر مصيرا مشابها لليونان، فبعض التقديرات تقول إن إجمالي الديون العربية يتراوح بين 700 مليار و1000 مليار دولار، أي ضعفي الديون التي ترزح تحتها اليونان. الديون العربية عبارة عن قنبلة موقوتة ستنفجر عاجلا أو آجلا، وما يجري مع اليونان درس ينبغي التعلم منه، قبل أن تقع الفأس في الرأس، والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اُتعظ به.