15 سبتمبر 2025
تسجيلتقدم معنا قي مقالة (رزق الله)، علاقة طلب الرزق بالتوكل على الله، وأنه على صلة به عميقة، وأنهما يرتبطان معاً برابطة وثيقة، يبينها الحديث الآتي: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لو أنكم توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً).تغدو: تذهب أول النهار، خِماصاً: بكسر الخاء، جمع خميص أي جياعاً، وتروح: أي ترجع آخر النهار، بطانا: بكسر أولها، جمع بطين وهو عظيم البطن والمراد شباعاً.فالتوكل إذن من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق، ليس وحده فحسب، بل أيضاً استجلاب سائر الخيرات والمصالح، وكذلك في المقابل دفع السيئات والمضار، وذلك في كل أمور الدنيا والآخرة، ولا يتحقق التوكل ولا يتم للعبد، إلا بالوقوف على تعريفه، والعمل به، وهو: اعتماد العبد على الله وحدَه، وتفويض كل الأمر إليه تعالى، مع إظهار كامل العجز.والتوكل من مقتضيات الإيمان والعبودية لله، ومن لوازم شهادة التوحيد،(لا إله إلا الله)، قال عز وجل:(ولله غيبُ السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كلُّهُ فاعبده وتوكَّل عليه)، وقال سبحانه أيضاً:(وعلى الله فتوكلوا إنْ كنتم مؤمنين).يحتاج التوكل الصحيح على الله، إلى يقين صادقٍ كاملٍ بالله، بأنه تعالى هو مدبر هذا الكون، لا يحدث فيه شيءٌ إلا بإذنه، قال عز ِمن قائل:(وما تسقُطُ من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبةٍ في ظُلُمات الأرضِ ولا رَطْبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبين)، وأنه فعّالٌ لما يريد، وأنه غالبٌ على أمره، وهو على كل شيءٍ قدير.حينئذٍ يتوجه العبد إلى ربه، ويعلم علم اليقين، أنْ ليس له من دون الله وليٌّ ولا نصير، فيتوكل عليه بكلِّيته، توكلاً صادقاً سليماً نابعاً من القلب، لا يجعله يتعلق بغيره، ولا يلتفت إلى سواه مطلقاً، وكيف يمكن أن يحيدَ عن هذا التوكل، والله جل وعلا يقول:(ومن يتوكل على الله فهو حسبه)، أي كافيه ما أهمه في جميع أموره، ويقول تعالى أيضاً في الحديث القدسي الصحيح:(يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمتهُ، فاستطعموني أُطعمكم، وكلكم عارٍ إلا من كسوتهُ، فاستكسوني أُكسكم)، وكان من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، أنه إذا خرج من بيته يقول:(بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)، وأخبر أن من قال ذلك، يقال له:(هديت وكفيت ووقيت، وتنحّى عنه الشيطان، ويقول لشيطانٍ آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي وكُفي ووثقي)، وكل هذا كما ترى بفضل التوكل على الله عز وجل. قال الشاعر:توكّل على الرحمنِ في الأمر كلِّه فما خاب حقاً من عليه توكلاوكنْ واثقاً بالله وارضَ بحكمه تَنَلْ مثلَ ما ترجوه منه تفضُّلاوقال آخر:توكّل على الرحمن في كل حاجةٍ أردْتَ؛ فإنّ الله يقضي ويقْدِرُمتى ما يُرِدْ ذو العرش أمراً بعبده يُصِبْه، وما للعبد ما يتخيّرُوقد يُهْلَكُ الإنسانُ من وجه أمْنِه وينجو بإذن الله من حيث يحذرُمعنى البيت الثاني من قوله تعالى:(ما يَفْتحِ اللهُ للناس من رحمةٍ فلا ممسكَ لها وما يمسكْ فلا مرسلَ له من بعده وهو العزيز الحكيم).والبيت الثالث يُنظر فيه إلى قول محمد بن وهيب:ألا ربما ضاقَ الفضاءُ بأهلِه وأمكن من بين الأسنةِ مخرجُزبدة القول:قال أحد الصالحين: (من سرَّه أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله).واقرأ - يرعاك الله - قول القائل، وخذ به:هوِّن عليك، وكن بربِّك واثقاً فأخو التوكّل شأنه التهوينُأختم بقول المولى تبارك وتعالى، في محكم تنزيله:(وتوكلْ على الحيّ الذي لا يموت وكفى به بذنوب عباده خبيرا)، وقوله أيضاً:(ربُّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتّخذه وكيلا)، ولا شك أن الغرض من الأمر في الآيتين الوجوب.