12 سبتمبر 2025
تسجيلتسحرني فكرة الصورة الفوتوغرافية دائما، وفي كل مناسبة للتفكر فيها أجدني وقد ازددت حيرة فوق حيرتي. لا أريد التصديق أنها مجرد خيال محبوس على الورق كما هو التعريف التقليدي لها. ذلك أنها أبعد من خيال وأقل من واقع، ومع هذا فما زالت الفكرة ناقصة وستظل هكذا حتى الصورة الأخيرة! قبل أيام طلب مني صحفي كان قد أجرى معي لقاء صحفياً موسعاً مجموعة من صور شخصية لي تمثل مراحل مختلفة من حياتي لتعبر عن تفاصيل إجاباتي على أسئلته المختلفة. قال إنه يحتاج صورة تعود لأيام الطفولة وأخرى من مرحلة المراهقة والمدرسة وثالثة من الجامعة وهكذا وصولا الى أحدث صورة التقطها لي بهاتفه الذكي. وعدته بالعودة للألبومات القديمة بحثا عن الصور المطلوبة. اكتشفت أنني أملك ألبومات كثيرة بأحجام مختلفة،وسرعان ما وجدت ضالتي أو بالأحرى ضالة الصحفي، بسبب اهتمامي القديم بتنظيم تلك الألبومات وتوثيقها وتأريخها. أخرجت الصور المطلوبة ورتبتها وفقا لتاريخ كل منها، لتصويرها بهاتفي ثم إعادتها للألبومات، لكنني قبل أن أفعل ذلك وجدتني غارقة في نهر الصور الذي تدفق فجأة بين يدي. وجوه كثيرة تحاصرني لأخرجها من بين الأضابير ومن تحت رقائق الألبومات الشفافة. أعرف بالتأكيد من الذي اخترع الكاميرا لكنني أجهل مخترع فكرة الفوتوغرافيا وتصويرنا لأنفسنا عبر تجميد لحظاتنا المنتقاة في أوراق لنحتفظ بها دائما. لماذا نفعل ذلك؟ لماذا نحرص على التقاط الصور لنا وخصوصا في المناسبات المختلفة؟ في الاعراس والاعياد وحفلات التخرج وأعياد الميلاد والسفر والنزهات المميزة ؟ ما الذي يغرينا حقا لنحتفظ بملامحنا مبتسمين أو مندهشين أو غاضبين أو عابسين فنعود إليها بعد أن نفترقها لنستعيد مشاعرنا في لحظات التقاط تلك الصور؟ قلبت بعض صوري الكثيرة بدءا من تلك التي تعود لأيام المراهقة، فاكتشفت أنها كلها تقريبا قد التقطت لي في المدرسة. لا أملك صورة واحدة لي في البيت أو مع أي فرد من أفراد عائلتي وأنا في تلك المرحلة من حياتي رغم أنني يومها كنت قد حظيت بآلة تصوير ما زلت احتفظ بها حتى الآن. لماذا لم ألتقط بتلك "الكاميرا" أي صورة لي مع أشقائي أو والدتي مثلا؟ ولماذا بدلا من ذلك أمتلك ألبوما متوسط الحجم يحتوى على العديد من الصور لي مع زميلات وصديقات المرحلتين المتوسطة والثانوية ؟ لم يكن أحد من افراد عائلتي ممن كانوا يعتقدون بحرمة التصوير الفوتوغرافي ولم تكن تلك الفكرة سائدة مجتمعيا في تلك الأيام أساسا، حتى أعيد لها السبب لكن من الواضح ان أوقاتي المدرسية كانت هي أوقاتي الجميلة التي حرصت على توثيقها، وهو ما يعيدني إلى البحث مجددا عن أصل فكرة تجميد لحظاتنا السعيدة غالبا في أوراق الصور قبل أن يظهر اختراع الصور الإلكترونية التي نحتفظ بها في شاشاتنا الصغيرة. في نهر الصور الآخذ بالتدفق بين يدي الآن اكتشفت الكثير من الوجوه الغائبة بالموت أو الفراق لأسباب أخرى. ثم أنني وجدت صورا لوجوه لم أعد أعرفها ولا أدري الآن لماذا احتفظ بها وهل هي تخصني فعلا أم تخص أفرادا آخرين من عائلتي؟ فكرت للحظات أن أتخلص منها بإعدامها حرقا أو تمزيقا، ما دمت لا أعرف أصحابها، لكنني ترددت قبل أن أقرر مواصلة الاحتفاظ بها. فمن يدري؟ لعلها مهمة جدا وأن أسماء أصحابها قد سقطت في الثغرات التي تهدمت بجدار ذاكرتي في السنوات الأخيرة! أعدت الوجوه الغريبة إلى أماكنها في الأظرف والألبومات فشعرت وكأنها تنظر لي بامتنان، ما جعلني ارتاح لقراري وأواصل البحث بين كومة الألبومات عن تفاصيل حياة تشظت بين الصور وعن أسرار لم تستطع فكرة الفوتوغرافيا البوح بها.. مكتفية بما أشاعته من سحر باق!