13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); هناك مثل إنجليزي يقول بأنه لا يمكن لك أن تأكل الكعكة وتحتفظ بها في الوقت ذاته! وبتقديري فإن هذا المثل هو أفضل وصف لردة فعل الحكومة الإسرائيلية على حملة الانتقادات والمقاطعة الدولية، وهي انتقادات مشروعة ولها أسبابها الواضحة والتي لا يمكن أن تنم عن معاداة السامية. وقادة إسرائيل الذين لا ينقصهم الحد الأدنى من الذكاء يعرفون جيدا بأن سياساتهم في الاستيطان والاحتلال هي سبب الانتقادات الدولية وحملة المقاطعة التي بدأت تستعر وبخاصة بعد أن قرر اتحاد الطلاب البريطاني مقاطعة إسرائيل. واللافت أن قادة إسرائيل مازالوا يعيشون في حالة نكران مرضية، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر موقف وزيرة العدل الإسرائيلية ايليت شكيد التي طالبت بردة فعل من نفس النوع، أي مقاطعة مقابل مقاطعة! وشكيد المنتشية بمشاركتها في حكومة نتنياهو الأخيرة تردد مقولات اليمين الإسرائيلي إياها وهي مقولات في جوهرها تجافي الواقع ولا تساعد حتى الإسرائيليين على الخروج من المأزق الذي صنعته أيديهم، فالوزيرة تصر على أن السبب الذي دفع قرار اتحاد الطلبة البريطانيون لمقاطعة إسرائيل يتعلق بثلاثة أمور هي: معادة السامية، والإسلام الراديكالي والسذاجة! وتصريح الوزيرة والذي بدوره يردده اليمين الإسرائيلي بشقية العلماني والمتدين يعكس نكران السبب الرئيسي وهو سلوك إسرائيل الذي تتحدى فيه المجتمع الدولي وتتنكر فيه لحقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال على ترابه الوطني.بطبيعة الحال لم تخترع الوزيرة شيئا جديدا، فمهاجمة العالم الخارجي في كل مرة ينتقد فيها سلوك إسرائيل بالتوسع الاستيطاني أصبح أمرا مألوفا للساسة الإسرائيليين وخاصة اليمين أو المستجدين في العمل السياسي، وفي السابق وظفت إسرائيل مقولة "معاداة السامية" لإسكات منتقديها من بين الأوروبيين، فما أن يصرح أي مسؤول أوروبي بأي تصريح ينتقد فيه سياسة إسرائيل التوسعية حتى تقيم إسرائيل الدنيا ولا تقعدها متهمة كل من انتقدها من الأوروبيين بتهم أهمها معاداة السامية، والحق أن هناك العديد من السياسيين الأوروبيين لا يوافق على سياسة إسرائيل بشكل عام ويعتبرها سببا رئيسيا لاستمرار الصراع، لكن قادة إسرائيل أسرع من البرق في تذكيرهم بأن المحرقة اليهودية إنما قام بها الأوروبيون، وهي بذلك تحاول إخراس من ينتقدها في وقت تتوسع فيه وتضرب عملية السلام برمتها بعرض الحائط.ولكن يبدو أن صحوة ضمير عالمية وإن بدت متأخرة في طريقها لصنع الفارق، فلم يعد الكثير من الأوروبيين يخشى من التهم الجاهزة والمعلبة بمعاداة السامية، فأوروبا بشكل عام ساهمت في صمود إسرائيل في السابق ولولا الأوروبيون ربما لما قامت إسرائيل من الأساس، فحملات المقاطعة التي بدأت قبل سنوات تحصل على زخم جديد في العالم، ولم يعد بالإمكان القول إن المجتمع الأوروبي يتعرض لعملية تشويش بالمعلومات (كما تقول إسرائيل دائما) إذ ليس من الممكن تقديم رواية إسرائيلية واحدة عن حقيقة ما يجري دون أن يتم تحدي هذه الراوية ليس من العرب فحسب بل ومن المجتمع الدولي نفسه.التدهور الحاصل في مكانة إسرائيل وسمعتها مرده عاملا واحدا وهو السياسات، بمعنى يمكن لإسرائيل تغيير صورتها إن قررت تغيير سياساتها بشكل يسمح بإتمام عملية السلام مع الطرف الفلسطيني وبشكل يمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي الفلسطينية. ولو توقفت إسرائيل عن الاستمرار في هذه السياسة المستفزة في النشاط الاستيطاني ربما لما فكر أي مراقب دولي في توجيه نقد قاس للحكومات الإسرائيلية أو المجتمع الإسرائيلي برمته، وهذه القضية مثبتة وبخاصة إذا ما نظرنا إلى حالة إسرائيل الدولية بعد توقيع اتفاق أوسلو، فالعالم توقف عن انتقاد إسرائيل وحتى رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين قال أمام الكنيست الإسرائيلي بأن العالم لم يعد يعادي اليهود ولم يعد يقف ضد الدولة العبرية.بطبيعة الحال فإن القضية هي أبعد من المقاطعة لأن إسرائيل قد لا تعاني من أثر اقتصادي من مقاطعات من هذا النوع، وهنا يمكن الإشارة إلى أن المجتمع الدولي لم يعد يأبه بالخطوط الحمر التي وضعتها إسرائيل أمام من ينتقدها، فإسرائيل لم تستفد من "فترة السماح" التي منحها إياها المجتمع الدولي لعل وعسى أن تجنح إلى السلام مع الفلسطينيين، غير أن شيئا كهذا لا يحدث ويبدو أنه أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع! لهذا السبب فإن انتقاد إسرائيل قد يستمر وقد يصل إلى السلطة في قادم الأيام جيل من الحكام لن يترددوا في انتقاد إسرائيل ولن تخيفهم تهمة معادة السامية لأن ما يجري على أرض فلسطين من توسع إسرائيل وتنكر لحقوقهم مرتبط برغبة إسرائيل في التوسع أكثر من أي شيء آخر.بكلمة، قد تنجح إسرائيل لبعض الوقت في إسكات العالم وإجباره على إدارة ظهره وغض الطرف عن سياسات إسرائيل التوسعية، لكن اللافت أيضا أن شيئا من هذا القبيل قد لا يستمر لفترة طويلة وعندئذ ستدور الدوائر ولن يكون اليمين الإسرائيلي في موقع من يساهم في تحسين صورة إسرائيل السيئة جدا أمام هذا السيل من الانتقادات الأوروبية التي بدأت تأخذ شكل مقاطعة إسرائيل والاعتراف بدولة فلسطين بالرغم من معارضة الدولة العبرية.