15 سبتمبر 2025

تسجيل

انقشاع ضبابية أسباب الأزمة

05 يونيو 2011

أوباما نفذ الإصلاحات المالية بعد أكثر من سنتين تساءل الملايين من المستثمرين والمواطنين العاديين حول العالم، بل وحتى مديري صناديق الاستثمار في البنوك والمؤسسات المالية، بما فيها الصناديق السيادية، كيف حدثت الأزمة؟ وكيف خسروا مدخراتهم واستثماراتهم في غمضة عين وبسرعة هائلة؟ وقد تمت الإجابة على بعض هذه الاستفسارات في العديد من الكتب والبحوث والمقالات الصحافية التي لم تخل منها صحيفة، إلا أن الإجابة الشافية والمدعمة بالوثائق والأرقام جاءت من خلال الفيلم الوثائقي "Inside Job "والذي يكشف مدى التحالفات والتلاعب بالمشتقات المالية والثراء الفاحش المبرر بالقوانين والدراسات الأكاديمية. لقد أدى تحالف الإدارة اليمينية للرئيس رولاند ريغان وحزب "المحافظين" البريطاني بزعامة رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر مع رأس المال المالي إلى بروز تحالف مالي وسياسي متنفذ استطاع إلغاء أو تجميد العديد من القوانين التي اتخذت بعد الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي والتي أسهمت في استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية في العالم ومنعت التلاعب بالمشتقات وتعظيم الثروات على أسس غير صحيحة من خلال تجاوز القوانين والأنظمة المعمول بها في البلدان المتقدمة. وانضم إلى هذا التحالف مجموعة من رؤساء الإدارات المالية المرموقين من التكنوقراط وأساتذة الجامعات المعروفة والعريقة، مما ولد قناعات بصحة السياسات المالية المتخذة، في حين اعتبر كل من عارض هذه الألاعيب إنسانا محافظا وبعيدا عن الطموح والتطوير. والحقيقة أنه لم يكن من السهل مقاومة هذا النهج المندفع بقوة القرار السياسي والمالي والدعم الأكاديمي الذي غير من نظريات عديدة واستحدث نظريات أخرى في عملية تشويه لعلم الاقتصاد لجذب الاستثمارات من مختلف مناطق العالم بعد تقديم المبررات والدراسات التي تبين بصورة غير صحيحة نمو المشتقات المالية والتي كانت تنمو ولكن بصورة وهمية وضمن معادلات رياضية استحدثها أكاديميون ومتخصصون دفعت لهم مئات الملايين في سابقة أساءت لمؤسسات أكاديمية عريقة ومعروفة بنزاهتها العلمية. وكمثال على ذلك دفعت غرفة تجارة أيسلندا مبالغ طائلة لأكاديميين معروفين من أجل إعداد كتب ودراسات تبين أن الاقتصاد الأيسلندي يحقق معدلات نمو عالية وأن قطاعه المالي والمصرفي مهيأ لاستقطاب مليارات الدولارات بعوائد جيدة، في الوقت الذي تعرف فيه الغرفة ومن ورائها الأكاديميون أن الحقيقة غير ذلك تماما، مما أدى إلى أن يخسر آلاف الأشخاص والمستثمرون، وبالأخص البريطانيون أموالهم وأن تعلن أيسلندا إفلاسها عمليا وليتوارى الأكاديميون عن الأنظار بعد هذه الفضيحة، في حين فقد ملايين آخرون حول العالم وظائفهم. أما بقية القصة وما سببته من خسائر وانهيارات وارتفاع في الأسعار وتلاشي لمئات المليارات من صناديق ومدخرات الدول والأفراد حول العالم والتي ما زالت تداعياتها تتوالي وتهدد بالمزيد من العواقب فهي معروفة للجميع. واللافت للنظر أن بعض هؤلاء الأكاديميين والمسؤولين الماليين عملوا مستشارين للعديد من المؤسسات المالية والمصرفية في بلداننا والتي تكبدت بسببهم خسائر مالية كبيرة، كما أن آراءهم واستنتاجاتهم ونصائحهم كانت محل تقدير واستئناس من قبل عدد كبير من هذه المؤسسات الخليجية والعربية والعالمية. ومثلما في الحديث الشريف " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين "، إلا أن عدم الانتباه والتقدير الصحيح والاستفادة من التجارب السابقة ونسيانها بسرعة ربما يؤدي إلى اللدغ مرات عدة ومن نفس الجحر. فالأحداث المتعاقبة تشير إلى أن نفس المجمع أو التحالف السياسي المالي الأكاديمي ما زال مسيطرا على زمام الأمور في الغرب، وأن هناك تغييرا في الوجوه والمهام والمسميات فقط، بدليل أن إدارة الرئيس أوباما لم تستطع تنفيذ وعودها حول الإصلاحات المالية بعد أكثر من سنتين من هذه لوعود، بل الأدهى من ذلك أن إدارة أوباما استعانت بشخصيات من التحالف السابق ومنحتهم مراكز قيادية في الإدارة الاقتصادية الحالية للبيت الأبيض. الأكيد أن الزمن سيعيد نفسه والمأساة سوف تتكرر والمجمع السياسي المالي الأكاديمي لم يشبع بعد ولن يشبع ما دامت هناك فرص وما دامت هناك أموال هائلة تجوب أسواق العالم باحثة عن منافذ ومتنفس بغض النظر عن مخاطر هذه المنافذ وهذا المتنفس. لذلك، فإن الحذر مطلوب والتعلم من دروس الأزمة وتداعياتها مطلوب أيضا، وفي مقدمتها الاختيارات الاستثمارية الصحيحة والمبنية على أسس علمية والتي تمزج ما بين الخبرات العالمية والمحلية والتي أصبحت مؤهلة وقادرة على المساهمة في إدارة الاستثمارات بإخلاص ومهنية عالية.