15 سبتمبر 2025

تسجيل

جنود الله

05 أبريل 2015

تعرضت منطقتنا لعاصفة ترابية أو رياح محملة بالغبار، مما جعل كل فرد ينظر لها من زاويته هو، ومن لديه طفل مصاب بالربو، فقد كان همه صغيره، ومن لديه زرع أو حلال أو ماشية، ومن كان في سفر خاف على أبنائه وبيته، وكثيرون سبحوا الله ودعوا دعاء الريح كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الريح قال‏: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به‏، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به) رواه مسلم، وقد جاء ذكر كلمة (رياح) في القرآن الكريم عشر مرات، وذكر لفظة (ريح) أربع عشرة مرة، ولفظ (ريحًا) أربع مرات، وجاء ذكر الرياح مجموعة دائما مع الرحمة (مبشرات، حاملات، مرسلات، ناشرات، ذاريات، لواقح )، وإن كل مرة ذكرت فيها الريح مفردة تكون مقترنة بالعذاب (عاصف، عقيم، صرصر)، إلا في سورة يونس في قوله -تعالى-: "وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ" [يونس: 22]، وسورة يوسف في قوله -تعالى-: "وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ " [يوسف: 94]، فورود كلمة الرياح مع الجمع تعني أن الرياح بهذه الصفة المقرونة بها قد يحدث في نفس الوقت على أماكن أخرى من الكرة الأرضية؛ مثل (تصريف الرياح) أو (يرسل الرياح)، فهي كمرسلات هنا وهناك ناشرات في نصف الكرة الشمالي والجنوبي في نفس الوقت .ويقول علماؤنا الريح جند من جنود الله يسلطها على من يشاء و أيضا خلق من خلق الله يسخرها لمن يشاء من عباده، قال المولى -تبارك وتعالى-: "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إلى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ"، وقال- تعالى-: "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ "، قال قتادة: "تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار، فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين"، ويقول الشيخ عبد الله الشهري من خطباء المملكة العربية السعودية: إن من الناس من يتذمّر عندما يرى الريح والغبار، وربما تطاول فسبها وشتمها، وهذا أمر قد نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به) رواه الترمذي، وهذا درس وحكمة بليغة عظيمة، العجيب أن ذلك الغبار له أيضا فؤائد ولعل ما يعزز فكرة فوائد الغبار التي تغيب عن أذهان كثير من الناس، ما ذكره ابن خلدون في مقدمته "إن الأرض بعد تقلب الفصول من فصل إلى فصل.. أي من الشتاء إلى الصيف.. تبدأ بلفظ أمراض وحشرات لو تركت لأهلكت العالم فيرسل الله الغبار.. فيقوم الغبار بقتلها.. ويتراوح حجم حبة الرمل بحسب الحشرة فبعضها صغير يدخل عيونها وبعضها يدخل أنوفها وبعضها في جوفها وبعضها في آذانها فتميتها.. وأيضا تلفظ الأرض الأمراض بعد الرطوبة خلال فصل الشتاء.. فلا يقتلها ويبيدها إلا الغبار"ولعل من المستغرب أن يرتبط الغبار بتحسين مناعة الأطفال، حيث أوصى بعض العلماء الوالدين بضرورة تعريض الأطفال للغبار لتعزيز مناعة أجسامهم ضد الأزمة أو أمراض الربو، ويقترحون إرسالهم إلى الحدائق أو الحقول لتحقيق ذلك، وأهم شيء هو التلقيح مصداقا لقوله -تعالى- في كتابه العزيز: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) «الحجر: 22»، وأخيراً، إن الرضا بقضاء الله وقدره من صميم الإيمان، فقال الله في كتابه العزيز "وقليل من عبادي الشكور " فالحمد لله حمدا كثيرا حتى ترضى وحمدا إذا رضيت وحمدا بعد الرضا، فاللهم احفظ بلادنا وأوطاننا من كل مكروه وسوء إنك نعم المولى ونعم النصير .