جون ناش.. من الفصام إلى نوبل

المتصفح لتاريخ العلم والعلماء والقارئ للسير الذاتية لهؤلاء العلماء الذين أثروا الحضارة الإنسانية بأفكارهم وأعمالهم، يجد أن بعض هؤلاء العلماء - وبرغم عبقريتهم- قد عانوا من اضطرابات نفسية أو عصبية، أو عانوا من صعوبات في التعلم أو التواصل. فمن هؤلاء - على سبيل المثال وليس الحصر- ألبرت أينشتاين عالم الرياضيات والفيزياء العبقري صاحب النظرية النسبية، كان يعاني من صعوبات في الاستيعاب والفهم والتعلم، والتأخر في النطق في طفولته. توماس إديسون، مخترع المصباح الكهربائي، والذي عانى من صعوبة في الكتابة. وفنسينت فان جوخ الفنان والرسام الهولندي، عانى من الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب وهلاوس عنيفة. ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا وقائدها أثناء الحرب العالمية الثانية، عانى من الاكتئاب ومن صعوبات تعلم أكاديمية. جراهام بل، العالم الأسكتلندي مخترع الهاتف، كان يعاني من عُسر القراءة (الديسلكسيا). وأسطورة الكرة ليونيل ميسى شُخص في طفولته باضطراب طيف التوحد، وغيرهم من العلماء والأدباء والعباقرة. ولتسمح لي - عزيزي القارئ - أن نسرد هنا جزءا بسيطا من سيرة واحد من هؤلاء العباقرة وهو(جون ناش)، العبقري وعالم الرياضيات والاقتصاد. وُلد جون ناش John Forbes Nash في13يونيو 1928 في بلوفيلد بفرجينيا. عاش طفولته مع والده، والذي كان مهندساً كهربائياً، ووالدته المعلمة. كان (ناش) نهم القراءة، منذ نعومة أظفاره، ويقوم بالتجارب العلمية، في سن الثانية عشرة، في غرفة خاصة في بيته. وكان يرفض التواصل الاجتماعي مع أقرانه ويفضل العزلة. بعد المرحلة الثانوية، التحق (ناش) بمعهد كارنيجي للتكنولوجيا، ودرس الكيمياء والهندسة ثم تحول إلى دراسة الرياضيات. وكان يبدي تفوقا أثناء الدراسة خاصة في حل المعادلات الرياضية الصعبة والتي حيرت العلماء لسنوات. حصل على شهادة البكالوريوس ثم الماجستير عام 1948. انتقل (ناش) إلى جامعة برنستون في نيوجرسي، لدراسة الدكتوراه، وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1950 في نظرية الألعاب، وهي نظرية اقتصادية مهمة جداً في مجال الاقتصاد وعلوم التفاوض. ظهرت على (جون ناش) علامات الفصام عام 1958 أثناء عمله في برنستون، وتم تشخيصه بفصام الشخصية الإرتيابية، وهاجمه المرض بعنف، حيث اعتقد أن له شريكاً يعيش معه في غرفته طيلة سنوات، وهو ما نفته الوثائق وأنه كان يسكن وحيداً. بالإضافة إلى الكثير من التصرفات والسلوكيات الغريبة. خاض (ناش) رحلة علاجية شاقة ومرهقة في العديد من العيادات والمستشفيات، وتناول الكثير من العقاقير. وفي عام 1970 قرر التوقف تماماً عن الذهاب إلى العيادات وعن تناول العقاقير حتى وفاته. وهو ما يُعتبر معجزة، وأصبح قادراً على التعايش مع أوهامه، بفضل عبقريته ومهاراته ودعم قوي من زوجته (إليسيا). وفي عام 1994 نال (جون ناش) جائزة نوبل في الاقتصاد. رحل (جون ناش) في 23 مايو 2015 إثر حادث سير مأساوي ومعه زوجته. سُئل (ناش) ذات مرة قبل وفاته: هل ما زلت تراهم؟ فأجاب: نعم ما زلت أراهم ولكنني أتجاهلهم.