15 سبتمبر 2025

تسجيل

الأمومة ليست دائماً صك حب على بياض

05 مارس 2019

بعد جهود مضنية، عثرت الشرطة في مدينة ليدز بإنجلترا على الطفلة شانون ماثيوز، وكان البحث عنها برا وجوا قد استغرق 24 يوما، أنفقت الشرطة خلالها أكثر من ثلاثة ملايين جنيه إسترليني، وكان من الطبيعي أن يتعاطف الملايين مع أم البنت المفقودة واسمها كارِن ماثيوز التي كانت طوال أكثر من ثلاثة أسابيع في حالة انهيار تام، وهي تناشد الناس عبر وسائل الإعلام ان يساعدوها على العثور على بنتها الحبيبة ، صحيفة ذا صن وحدها رصدت جائزة قدرها 70 ألف استرليني لمن يعثر على شانون، في حين كانت الجائزة المعروضة من قبل الشرطة لنفس الغرض 35 ألف إسترليني، وتدافع الجيران لمواساة الأم والتخفيف عنها ونظموا حملات تفتيش شارك فيها الآلاف الذين جابوا كل شبر في المنطقة التي يرجح ان شانون اختفت فيها. عثرت الشرطة على شانون بنت التسع سنوات في شقة في ضاحية في مدينة ليدز، وكانت وقتها مربوطة بحبل يتدلى من السقف، يسمح لها بالوصول إلى مختلف أنحاء الشقة ما عدا الباب الخارجي، وعند نقلها إلى المستشفى، اكتشفوا أن جسمها يحوي جرعات عالية من العقار المهدئ (فاليوم). واتضح ان من اختطف شانون واسمه مايكل دونوفان هو خال «صديق/عشيق» أمها كارن ماثيوز، ولكنه فعل ذلك بأوامر منها؛ خلي بالك: أوامر وليس «رجاء» من الأم التي قالت له: تخطف بنتي شانون في يوم كذا في طريق عودتها من المدرسة، وما لم تفعل ستتعرض للقتل، ولو نجحت في اختطافها «ينوبك من الطيب نصيب» لأن المسألة فيها فلوس، وكانت تلك المرأة الحقيرة تدرك أن الناس يتعاطفون مع ذوي الأطفال المختطفين وأنها ستربح من العملية بطريقتين: تأتي التبرعات لتقوم هي بعمليات بحث بواسطة مخبرين خاصين؛ ثم – وفي توقيت معين – تأتي المرحلة الثانية حين يجعل مايكل الذي قام بالخطف، شانون تسير وهي مخدرة أمام متاجر بها كاميرات فيديو في واجهاتها، ثم يدخل هو في الصورة و»يتعرف» عليها، ويحتضنها ودموع الفرح تسيل من عينيه، ويتصل بالشرطة وتكون جائزة العثور عليها من نصيبه: «بس أوع تصدق نفسك.. تتسلم الفلوس وتجيني دوغري سيدا.. وأنا أبقششك». طوال 24 يوما وكارن تواصل أمام الكاميرات إنتاج الفيلم الهندي عن «بنتي الحبيبة الأمورة» المختطفة؛ وأهملت أمر نفسها وحرصت على الظهور مبهدلة وشعرها منكوش، أي أنها كرست كل وقتها وجهدها لتمثيل دور الأم المكلومة؛ وما هو أنكى من ذلك أنها ظلت لتسعة أشهر قبل مسرحية الاختطاف تعطي شانون أقراصا مهدئة لضمان ان تكون «مستوية على الآخر»، أي في حالة تبلد ذهني عند لحظة التنفيذ. هذه امرأة لا تستحق لقب «أم» الذي يساوي كنوز الدنيا كلها، فقد باعت أسمى العواطف نظير مبلغ تافه. والشاهد يا أعزائي هو أن الجري وراء «المادة» صار ميسما لعالمنا المعاصر، ولكننا ما زلنا بخير إلى درجة كبيرة، لكوننا لا نزال نعرف التراحم والتكافل، ولكن فيروس «السعار» المادي بدأ ينتشر في مجتمعاتنا، فقد صرنا نسمع حكايات محزنة عن أشقاء يتحاربون باللسان واليد على التركات، وعن عقوق أبناء أنفق الوالدان القليل الذي عندهما ليربوهم ويعلموهم ولما اشتدت سواعدهم «رموا» الوالدين. الإنسان السوي ينسى ملذاته ورغباته بمجرد ان يرزق بالذرية ويكرس ماله وجهده لإسعاد العيال، ومتعة الأمومة والأبوة في العطاء، بل إن في إعطاء الآخرين حتى من غير ذوي الرحم متعة تفوق متعة الأخذ، والأهم من كل ذلك هو أن كونك الأب أو الأم البيولوجي / الشرعي لشخص ما لا يكفل لك حبه ووفاءه ما لم تغذيه أنت بالحب والعطاء، وياما هناك بيوت تجد فيها طفلا أو أكثر تربطه بخادمة البيت عواطف أقوى من تلك التي تربطه بوالديه لأن الخادمة تمنحه جرعات عالية من الحب والحنان والرعاية. [email protected]