13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عبثا حاول نتنياهو أن يلعب على عامل الخوف عند الشعب الأمريكي، فخطابه أمام الكونجرس كان تحريضيا بامتياز وفشل في تقديم أي بديل قابل للتحقق، وبهذا المعنى أظهر نتنياهو استخفافا بمستمعيه ما دفع زعيمة الأقلية في الكونجرس نانسي بيلوسي للقول بأن الدموع كادت تنهمر من عينها إذ شعرت بحزن شديد من إهانة نتنياهو لذكاء الولايات المتحدة، لم يدر في خلد الغالبية العظمى من المراقبين والمحللين أن تصل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إلى نقطة متدنية يتحدى فيها رئيس وزراء إسرائيلي رئيس دولة عظمى قدمت كل ما في وسعها لحماية المشروع الصهيوني، والحق إنه لولا الدعم الأمريكي العسكري والاقتصادي والدبلوماسي لإسرائيل لما تمكنت الأخيرة من الصمود وسط محيط من الدول المعادية التي لا ترى في إسرائيل وبقائها وهيمنتها إلا ما يذكرها بضعفها وانعدام حيلتها. لم يساور نتنياهو الشك في أنه بإصراره على إلقاء خطابه أمام الكونجرس يوم الثلاثاء الماضي رغما عن الرئيس أوباما إنما يضع العلاقات "الخاصة" بين إسرائيل والولايات المتحدة على المحك، لكن هل ارتكب نتنياهو حماقة؟ شخصيا، لست مقتنعا بما يردده البعض بأن نتنياهو يرتكب حماقة، فخطوته هذه محسوبة بدقة وربما علينا البحث في السياق العام الذي أفضى إلى هذه الخطوة والأسباب التي تقف خلف نبرة التحدي في مواقف نتنياهو تجاه أوباما. هناك تفسيران يتكاملان لفهم الخطوة الإسرائيلية المستفزة هما: الهاجس الأمني أو التذرع به لضرورة السياسة الإسرائيلية الداخلية.تُحرّك نتنياهو هواجس الخوف من "الأغيار"، فإسرائيل ترتعد خوفا من أمرين مترابطين: النوايا الإيرانية إن تمكنت طهران من تطوير خيار نووي واستماتة الرئيس أوباما للتوصل إلى اتفاق مع إيران حتى يكون له تركة في الشرق الأوسط. طبعا، لا يضير نتنياهو أن يتمكن أوباما من ترك بصمته في الشرق الأوسط لكن على أن تنتظم هذه التركة مع دقات ساعة تل أبيب، وأي اتفاقية مع إيران تسمح لها في قادم الأيام بتطوير سلاح نووي هي ليست فقط اتفاقية سيئة وإنما اتفاقية تستلزم أن يقوم نتنياهو ما بوسعه لتخريبها حتى لو أدى ذلك إلى ضرب بنية العلاقة مع الولايات المتحدة. بمعنى آخر، يرى نتنياهو بأن ثمة ما يبرر لتخريب العلاقات مع إدارة أوباما، فالتحدي لم يأت هكذا جزافا بل مغامرة محسوبة تهدف إلى حشر أوباما في الزاوية وتهدف إلى تأليب الكونجرس عليه وهو بذلك ينحاز علنا للحزب الجمهوري. ربما هذه من المرات القليلة لكنها الأكثر وضوحا التي تتدخل فيها إسرائيل في الشأن الأمريكي المحلي بشكل علني، صحيح أن الرئيس أوباما ليس من دون حلفاء في المواجهة مع نتنياهو، لكن الصحيح أيضا أن نتنياهو لا يعمل هكذا لوحده دون تنسيق مع قوى على الساحة الأمريكية، فهناك الحزب الجمهوري وبعض الإعلاميين الذين يتحمسون بشدة لتقويض جهود أوباما مع إيران، وليس من قبيل الصدفة أن تسرب إحدى كبريات الصحف الأمريكية (الواشنطن بوست) خبرا عن أن من اغتال عماد مغنية في عام 2008 هو وكالة الاستخبارات الأمريكية وليس إسرائيل، وهي بذلك إنما تعطي الجناح الإيراني المعارض لاتفاقية مع واشنطن ذخيرة إضافية لدفع إيران إلى التشدد لعل ذلك يقلل من فرص التوصل إلى صفقة.وفي العمق هناك خلافات إستراتيجية جذرية بين نتنياهو وأوباما، فالأخير يريد أن يخرج بلاده من دائرة العنف في الشرق الأوسط والاستناد إلى حروب الوكالة مع تدخل جوي أمريكي وقت اللزوم في حين يرى نتنياهو في ذلك انسحابا أمريكيا من المنطقة من شأنه أن يحدث تغييرا في معادلة التوازن الإقليمي لصالح ترتيب جديد يحد من هيمنة إسرائيل، ولا يخفى على المراقب أن النظام الإقليمي الذي أمّن الهيمنة الإسرائيلية يتداعى وأن أوباما لا يفعل شيئا لذلك جاءت ردة نتنياهو بهذا الشكل الصادم للإدارة.أيام تفصلنا عن الانتخابات الإسرائيلية التي يسعى نتنياهو فيها إلى الحصول على أكبر عدد من الأصوات، وبالتالي نجده يتذرع بإيران والخلاف مع الولايات المتحدة حتى يظهر بمظهر الزعيم القوي الذي يتحدى الجميع لاستباق الأخطار والحفاظ على أمن إسرائيل. وبهذا المعنى، ينبغي ألا يغيب عن البال أن نتنياهو مقدم على انتخابات ليست مضمونة كما كانت سابقتها، لذلك فإن المعارضة الإسرائيلية ترغب في توظيف حقيقة أن نتنياهو يلعب على عامل الخوف ويخاطر بالعلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، لكنهم أي المعارضة سيجدون من الصعوبة بمكان التلاعب بالجمهور الإسرائيلي الذي تبلغ نسبة التأييد فيه لأوباما وسياساته هامش الخطأ في استطلاعات الرأي العام، فنتنياهو نجح في وضع نفسه في التيار السائد في إسرائيل في القضية الأهم وهي الموقف من البرنامج النووي الإيراني.وعلى نحو لافت، يستهدف نتنياهو الناخبين الإسرائيليين الذين يتماهون مع اليمين المتطرف في إسرائيل والذين تبلغ نستبهم 30% ممن يحق لهم التصويت، ولابد طبعا من الإشارة إلى أن نسبة كبيرة منهم تؤيد حزب البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينيت. وهذا الجمهور من الناخبين يتوجس دائما من الليبراليين الأمريكان (أوباما والحزب الديمقراطي) ويؤيدون وقوف نتنياهو بوجه أوباما حتى لو كان ثمن ذلك توجيه ضربة لإيران دون تنسيق مع إدارة أوباما.ربما من المبكر الحكم كيف يمكن أن يستفيد نتنياهو من هذه المواجهة لأوباما، فانتخابيا فإن نتنياهو سيحصل على الكثير من أصوات اليمين المتطرف، لكنه بالمقابل سيخسر أصواتا على يمين المركز تولي أهمية كبيرة للحفاظ على الدعم العابر للحزبين في أمريكا لإسرائيل وترى بأن نتنياهو يعبث بها فقط من أجل الانتخابات.